مصطفى عبد السلام
أحد الأهداف الرئيسية للحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ضد دول العالم عبر فرض الرسوم الجمركية المبالغ فيها، هو زيادة الاستثمارات الأجنبية داخل الولايات المتحدة، ودفع الشركات العالمية الكبرى نحو إقامة مصانع لها بأميركا، لتفادي دفع رسوم مبالغ فيها تصل إلى 125% كما هو الحال مع الصين، وجذب تريليونات الدولارات من الخارج تساعد في توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل، وزيادة الإنتاج المحلي، وتوفير احتياجات الأسواق، وهو ما يقلل نسب التضخم ويدفع البنك الفيدرالي نحو خفض سعر الفائدة، وهو أحد أبرز مطالب لوبي “وول ستريت” والمليارديرات الداعمين لترامب.
لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي سفينة ترامب التي تواجهها العواصف من كل جانب وتكاد تهددها بالغرق. فقد كشفت صحيفة فاينانشال تايمز قبل أيام أن عدداً من الأثرياء الأميركيين، داخل الولايات المتحدة وخارجها، بدؤوا بوضع خطط احتياطية لنقل أصولهم وأموالهم إلى عدد من دول العالم أبرزها سويسرا، في ظل حالة عدم اليقين والفوضى التي تثيرها إدارة ترامب. كما تراجع عدد من كبار المستثمرين الأجانب عنن ضخ أموال جديدة في الاقتصاد الأميركي ترقبا لما تسفر عنه المواجهات التجارية الحالية بين واشنطن وعدد من أهم الاقتصادات في العالم ومنها الاقتصاد الأوروبي.
وتعيد تلك الخطوة إلى الذاكرة ما حدث عقب الأزمة المالية العالمية في العام 2008 حيث هرب مستثمرون أميركيون إلى أسواق العالم عقب تهاوي بورصات “وول ستريت” وانهيار عدد من أبرز البنوك وشركات التأمين والعقارات الأميركية وإفلاس مؤسسات عملاقة، وتراجع معدل النمو، ودخول الاقتصاد في حالة تخبط كبير.
فاينانشال تايمز قبل أيام أن عدداً من الأثرياء الأميركيين، داخل الولايات المتحدة وخارجها، بدؤوا بوضع خطط احتياطية لنقل أصولهم وأموالهم إلى عدد من دول العالم أبرزها سويسرا
العزوف عن الاستثمار في الولايات المتحدة حالياً لا يقتصر فقط على المستثمرين الأميركيين أو سوق أدوات الدين الحكومية والسندات، بل امتد إلى المستثمرين الدوليين الذين وجدوا مخاطر شديدة ومتنامية في أسواق الولايات المتحدة، وتخبط في صناعة القرارات داخل البيت الأبيض، وتشاؤم في ما يخص مستقبل الاقتصاد الأميركي، واحتمال تدحرجه نحو الركود والتضخم والتشدد النقدي وسعر الفائدة المرتفعة.
بل إن حالة العزوف عن الاستثمار في أميركا تلك انتقلت إلى حلفاء الولايات المتحدة، فقد خرج علينا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام قليلة داعياً شركات الاتحاد الأوروبي إلى تجميد استثماراتها في الولايات المتحدة، وحث الشركات الفرنسية على تعليق جميع مشاريعها وخططها الاستثمارية في الولايات المتحدة حتى يتضح الموقف بشأن الرسوم الجمركية. وحذر ماكرون دول الاتحاد من تقديم تنازلات أو استثمارات فورية في الولايات المتحدة بهدف الحصول على إعفاءات من الرسوم الجمركية.
ترامب ومستشار الأمن الوطني الإماراتي (حساب الرئيس الأميركي على تروث سوشل)
اقتصاد عربي
البيت الأبيض: التزام الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار في أميركا
وزير الصناعة الفرنسي، مارك فيراتشي، انضم هو أيضا إلى دعوة ماكرون حيث دعا الشركات الفرنسية إلى تعليق استثماراتها في الولايات المتحدة، في ظل الخلافات القائمة بين فرنسا وأوروبا وبين إدارة ترامب بشأن الرسوم الجمركية. كما صدرت تصريحات مماثلة من دول أخرى أبرزها كندا.
في مقابل العزوف الدولي المتنامي تجاه الاستثمار في الولايات المتحدة، يوجد إقبال شديد من قبل بعض الحكومات العربية نحو ضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأميركي، وتأسيس مشروعات إنتاجية وشراء شركات صناعية عملاقة، وكذا ضخ مليارات الدولارات في الموازنة الأميركية عبر شراء أدوات دين صادرة عن الحكومة سواء سندات أو أذون خزانة.
في 22 مارس أعلن ترامب، استثمار الإمارات 1.4 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة في الاقتصاد الأميركي، وقبلها أعلنت السعودية رغبتها في زيادة استثماراتها 600 مليار دولار
ففي 22 مارس/ آذار الماضي أعلنت إدارة ترامب، استثمار الإمارات 1.4 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة في الاقتصاد الأميركي وقطاعاته المختلفة، وقبلها أعلنت السعودية رغبتها في زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة بمقدار 600 مليار دولار خلال الأربع سنوات، كما قال ترامب إنه يخطط لزيارة الرياض قريباً، مشيراً إلى وجود صفقة لاستثمارات كبرى من السعودية في الولايات المتحدة قيمتها تريليون دولار.
المستثمرون الأجانب يفرون من الولايات المتحدة خوفا من المجهول والخسائر والركود والتضخم، في الوقت الذي تتدفق فيه الأموال الخليجية وبمئات المليارات، فما الذي تراه تلك الأموال من فرص جذابة وربحية وضمان داخل الولايات المتحدة لا يراه الأجانب؟

