جودة مرسي
الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينيَّة من قِبل دول مثل أستراليا وكندا وبريطانيا يُمكِن أن يكُونَ له تأثير رمزي وسياسي كبير، ولكن فائدته على أرض الواقع تعتمد على عوامل عدَّة، منها السياسيَّة والدبلوماسيَّة بتعزيز شرعيَّة الدولة الفلسطينيَّة على الساحة الدوليَّة؛ لأنَّ كُلَّ اعتراف جديد يُعزِّز من مكانة فلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة في نظر المُجتمع الدولي، ويضعف السرديَّة المتداولة منذُ (70) عامًا للكيان الدموي المحتل، الَّتي ترفض قيام دولة فلسطينيَّة، وأنَّ الاعتراف يشكِّل ضغطًا دبلوماسيًّا على الكيان المحتل، خصوصًا إذا كان الاعتراف من دول وازنة من الغرب الحليف التقليدي للكيان العنصري المحتل، وهو يبعث برسالة واضحة بأنَّ الاحتلال والاستيطان لا يُمكِن أن يستمرَّا دون تبعات سياسيَّة، كما أنَّه دعم للمساعي القانونيَّة والدوليَّة الفلسطينيَّة. فالاعتراف يساعد فلسطين في تثبيت وضعها القانوني في المحافل الدوليَّة (مثل محكمة الجنايات الدوليَّة ومحكمة العدل الدوليَّة)، وقد يدعم قضايا ضد همجيَّة وعنصريَّة الكيان المحتل الَّتي دائمًا ما تنتهك القانون الدولي ولا تقيم له أيَّ اعتبار. وقرارات مثل هذه غالبًا ما تكُونُ نتيجة تحوُّلات في الرأي العام، وهذا ما شاهدناه من مواقف لبعض الحكومات في أوروبا مثل إسبانيا وهولندا ومظاهرات عارمة للشعوب ضد المذابح الَّتي ترتكب ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل في غزَّة، وقد يُشجع الاعتراف برلمانات أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، وهذا ما يعيد الزخم للقضيَّة الفلسطينيَّة بعد أن صمَت العالم على الإبادة الجماعيَّة الَّتي ينفِّذها العدوُّ الصهيوني في غزَّة بمنهجيَّة تصفية القضيَّة والأرض وآخر ملامحها ما صرَّح به مُجرِم الحرب ـ حسب محكمة العدل الدوليَّة ـ رئيس وزراء الكيان المحتل الـ(نتنياهو) الَّذي يسعى إلى تهجير الشَّعب خارج أرضه بعد أن أمن المواقف الغربيَّة المساندة والعربيَّة، الَّتي تكبلت معه بـ»اتفاقات التطبيع» وكان رد فعله مطابقًا لأفعاله على أرض الواقع، حيثُ هدَّد وتوعَّد بقوله إنَّ الاعتراف الدولي جائزة للإرهاب!! رافضًا إنشاء دولة فلسطينيَّة غرب نهر الأردن. وقال صراحة إنَّ دولة فلسطينيَّة لن تُقام «غرب نهر الأردن، ووعد بردود فعل دبلوماسيَّة / سياسيَّة بعد عودته من الولايات المُتَّحدة، من ضمنها لقاءات متوقعة في الأُمم المُتَّحدة ورُبَّما خطوات من الكيان مقابلة، التأكيد على الاستيطان وسنواصل بناء المستوطنات في الضفَّة الغربيَّة، ورأى أنَّ الدول الَّتي اعترفت بقيام دولة فلسطينيَّة «تنطلق من دوافع سياسيَّة» وأوروبيَّة، دون أن تراعيَ الظروف الأمنيَّة والإرهاصات الَّتي تراها (إسرائيل) مهمَّة. وأضاف أنَّ (إسرائيل) «لن تنتحر من أجل السياسة الأوروبيَّة» بمعنى أنَّه لن تُقيد نفسها بناءً على الضغوط أو ما يسمِّيه «حاجة دول أخرى» للتصريحات الرمزيَّة.
ماذا عن الفوائد العمليَّة؟
رغم ما تمَّ سرده سابقًا هناك بعض الحدود الواضحة لهذه الفوائد: لا تغيير على الأرض؛ لأنَّ الاعتراف لا يُنهي الاحتلال ولا يوقف الاستيطان، ما لم يُرافقه ضغط حقيقي وعقوبات أو قرارات عمليَّة، غياب موقف موحَّد دوليًّا ما دام هناك فيتو أميركي تسبَّب للآن في تعطيل أيِّ قرارات تُجبر الكيان المحتل على إيقاف حرب الإبادة الَّتي يشنُّها في غزَّة، مع دعم قوي من دول كبرى (مثل الولايات المُتَّحدة وألمانيا)، ما يحدُّ من التأثير العملي لأيِّ اعترافات جديدة. إنَّ الاعتراف بالدولة الفلسطينيَّة من دول مثل أستراليا وكندا وبريطانيا يمثِّل مكسبًا رمزيًّا واستراتيجيًّا مهمًّا للقضيَّة الفلسطينيَّة، ويُسهم في عزل الكيان المحتل دبلوماسيًّا على المدى البعيد، لكن بِدُونِ تحركات موازية ـ مثل تحقيق الوحدة الفلسطينيَّة، تحرك قانوني دولي فعَّال، وضغط شَعبي عالمي ـ سيبقى الأثر رمزيًّا أكثر منه عمليًّا.
جودة مرسي