الاقتصاد الأردني: بين الركود التضخمي و الاعتماد على الذات

1

 
د. حسين البناء
ليست هذه المرة الأولى التي يمر بها الاقتصاد الأردني بأزمة اقتصادية حرجة، ولكن هذه المرة تتخذ طابعا خاصا لو قارناها بأزمة 1989 مثلا؛ على الأقل فقد تبع أزمة 1989 انفراجا سياسيا ملحوظا حيث عاد البرلمان للعمل بعد تعطيله، و تم ترخيص الأحزاب، و تم إقرار قانون الصحافة والنشر، لكن هذه المرة فإنه لا بوادر ملحوظة لأي تمكين شعبي و برلماني عبر القوانين أو التعديلات الدستورية.
الدين العام كان قد وصل لنسبة ( 91% ) من الدخل القومي، وبلغ حجم عجز الموازنة (المليار دينار ) سنويا، و تراكم الدين العام ليزيد عن (23 مليارا). مضافا إلى كل ذلك، تراجعت قيم المنح والهبات والمساعدات الخارجية بشكل دراماتيكي وهي التي ظلت مستقرة لعقود لتناهز ( 1.5 مليارا) في كل عام، واكتملت الحلقة بتراجع حوالات العاملين في الخارج تزامنا مع الأزمة الخليجية و تراجع أسعار النفط و حزمة توطين الوظائف السائدة في دول الخليج العربي.
أمام كل ذلك، أعلنت الحكومة عن حزمة من “الإصلاحات” الاقتصادية والتي تقوم على تعويض الفاقد من الإيرادات بفرض المزيد من الرسوم و الضرائب ووقف الدعم الحكومي عن كثير من السلع، أهمها الخبز و المشتقات النفطية والكهرباء. هذه الحزمة والتي نفذت الدفعة الأولى منها حكومة (د. عبدالله النسور) والثانية حاليا في ظل حكومة (د. هاني الملقي) و يؤمل اكتمال الخطة بدفعتها الثالثة والأخيرة في العام القادم. هذه الخطة تمثل السياسة الحاسمة الجديدة المتبعة تحت إشراف البنك الدولي و بالاسم المحلي (نهج الاعتماد على الذات).
الخطير في الأمر، أن (صانعي و متخذ القرار) يتجاهلون بالكلية تبعات ما يجري حاليا، فعلى الصعيد الأمني شهدت المملكة بضع (عمليات سطو مسلح) على مصارف و مراكز بريد و محطات وقود لم تشهدها الساحة المحلية من قبل، كما أن نسب احتقان و غبن تتفاقم على مستوى الشارع العام حيث ينسب كل ذلك إلى تراكم ممارسات (الخصخصة و الفساد وسوء الإدارة)، وباتت تتردد بشكل دائم جملة من ملفات الفساد تم طيها للحفظ بعد أن شرع في تناول تفاصيلها.
أما اقتصاديا؛ فمنذ عامين بدأت بوادر الكساد في قطاع الإسكان، وسوف تتفاقم أكثر نظرا لتراجع قدرة المغتربين على الشراء، وبسبب عودة اللاجئين السوريين لبلدهم. كما أن قدرة المواطن الشرائية سوف تتراجع نظرا لتحول الجزء الأكبر من الدخل إلى تغطية الفارق السعري بعد التضخم الكبير للأسعار، مم يعني كسادا آخر في قطاع السلع الكمالية و الرفاهية كسوق السيارات والأثاث والملابس.
الكساد التضخمي أحد أغرب الحالات الاقتصادية التي تحل على اقتصاد رأسمالي؛ فالتضخم عادة يكون مقرونا بالانتعاش الاقتصادي و تعاظم الطلب والتوظيف؛ أما الكساد فعادة يكون مقرونا بتباطؤ النشاط الاقتصادي و تراجع الطلب و تراجع الوظائف والدخول وهبوط الأسعار؛ الكساد و التضخم هما السمة العامة للاقتصاد الحر الرأسمالي، فإما ركود أو تضخم؛ أما حالة الكساد التضخمي فهي دليل على تشوه الهيكل الاقتصادي و على وجود قوى متدخلة في آليات حركة النشاط الاقتصادي تمنعه من السير في نمطه الطبيعي المتوقع.
يحلو للكثيرين (عن سوء أو حسن نية) فصل الملفين السياسي عن الاقتصادي، لكن حقيقة الأمر بأنهما متداخلين، وكل منهما يؤدي للآخر. لا يستطيع عاقل أن ينكر بأن الأزمة الاقتصادية الحالية ما هي إلا نتاج تخبط كبير في هيكلية السلطة والقرار والنفوذ؛ بدءا بعملية الخصخصة التي يشوبها الكثير من التساؤلات، والتي أفقدت الدولة مليارات من الدخول في ما لو تم حسن إدارتها وتعزيز الشفافية والمساءلة في تشغيلها. مرورا بعقود النفط والتوريد التي لا يعلم أحد كيف تتم و أي معادلة تسعيرية تنتج هذه الصيغة المشوهة لأسعار المشتقات النفطية. وليس انتهاءا بقانون الموازنة العامة الذي يتم سلقه و تمريره ضمن روتين باهت يفتقر لأدنى معايير المهنية و الشفافية والتخطيط.
الأردن اليوم يقف على مفترق طرق خطير؛ فإما أن يتجه نحو المستقبل والنجاح، عبر نهج ديمقراطي يقوم على المشاركة و تمكين الشعب و تمثيله الحزبي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، و كبح جموح الفساد و سوء الإدارة، وتعزيز الحريات و الرقابة العامة وحرية الصحافة وإصلاح هيكل الصلاحيات الدستورية؛ أو أن يستمر في ذات النهج الذي أفلسنا عام 1989 و أفقرنا عام 2017 و القادم لا يحمل سوى امتداد لخط تراكمية الفشل إذا ما استمررنا عليه بالمؤكد.

التعليقات معطلة.