جمعة بوكليبكاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
الاتفاق الأميركي – الإيراني الذي حصل مؤخراً ما زال مثار نقاش واستياء في أميركا، وخاصة ما يتعلق بدوافع إدارة الرئيس جو بايدن.javascript:false
وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية قدّمت الاتفاق للجمهور الإيراني على أنه انتصار للدبلوماسية الإيرانية، ووصفته بأنه «دبلوماسية الشرف».
المباحثات التي عقدت بين الطرفين في عُمان، ووصفت بأنها غير رسمية (Informal)، قادت إلى التفاهم الأخير. إلا أن استياءً ملحوظاً يزداد انتشاراً في أوساط الديمقراطيين والجمهوريين على السواء. مبعث الاستياء لدى كثيرين نابع من حقيقة أن واشنطن كافأت طهران على أعمال تستحق عليها العقاب. وأن المساجين المفرج عنهم سُجنوا ظلماً باتهامات ملفقة لأغراض سياسية. واعتبره بعضهم بمثابة تقديم حافز لدول أخرى لاعتقال وسجن مواطنين أميركيين ظلماً، ثم المطالبة بفدية لقاء إطلاق سراحهم. ويؤكد بعضهم أن إدارة الرئيس بايدن وقّعت أيضاً، خلال تلك اللقاءات غير الرسمية، على اتفاق نووي سرّي مع طهران.
كثير من المعلقين الأميركيين وغيرهم حاولوا تخمين الدوافع الأساسية وراء الاتفاق مع طهران. بعضهم يرى أن قرب موعد عقد الانتخابات الرئاسية كان السبب وراء إدارة الرئيس بايدن عقد الاتفاق مع طهران، لتحقيق مكاسب إعلامية. وبعضهم ينفي علاقة الاتفاق بالانتخابات الرئاسية المقبلة، مشيرين إلى حساسية إثارة موضوع العلاقة مع طهران، وتأثير ذلك سلبياً على حملة الرئيس بايدن الانتخابية. في حين أن آخرين رحبوا بالاتفاق الأخير، مشيرين إلى أنه يقلل، إلى حد ما، من ارتفاع درجة التوتر بين البلدين، وقد يساعد على تشجيع حكومة طهران على العودة إلى طاولة التفاوض، وإقناعها بالتوقيع مجدداً على الاتفاق النووي.
ومنذ وصول الرئيس الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض، سعت إدارته إلى إقناع إيران بالعودة إلى التفاوض مجدداً، مقابل تخفيف العقوبات المفروضة، وبهدف إعادة الاتفاق إلى الحياة. المفاوضات التي عقدت بين الطرفين، استناداً إلى معلقين، وصلت إلى طريق مسدودة، بسبب إصرار إيران على ضرورة حصولها على ضمانات، بعدم إلغاء واشنطن الاتفاق مرة ثانية. ولم يكن ممكناً على إدارة الرئيس بايدن تقديم ذلك الضمان، آخذين في الاعتبار احتمال فشل الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ووصول الرئيس الأسبق ترمب إلى السلطة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
من جانبها، قامت إيران، لدى إلغاء الاتفاق النووي، بالعودة إلى عمليات إخصاب اليورانيوم، وبسرعة أكبر من السابق. ويقول معلقون أميركيون إنها تمكنت من مراكمة مخزون من اليورانيوم المخصّب، لما يقرب من مستوى تصنيع عدة قنابل نووية. إلا أن الخبراء والمحللين المختصين نفوا ذلك، مؤكدين أن أمام إيران مسافة زمنية لا تقل عن عام، أو احتمال عامين آخرين، لتصنيع قنبلة نووية.
النقطة الأخرى الجديرة بالملاحظة هي أن حكومة تل أبيب، على لسان رئيسها بنيامين نتنياهو، لمّحت، هي الأخرى، إلى أن اتفاق تبادل السجناء لم يكن الموضوع الوحيد، الذي نوقش في عُمان بين طهران وواشنطن. وأبدت تخوّفاً من الوصول إلى تفاهم حول الاتفاق النووي بين الدولتين. اثنان من كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية أدليا بتصريحات لوسائل إعلام أميركية، أكدا فيها أن اتفاق عُمان كان جزءاً من تفاهمات عدة، شملت قضايا أخرى. وأن التفاهمات التي تمت بُدئ في تنفيذها على الأرض. المسؤولان الإسرائيليان أشارا إلى الانخفاض الملحوظ في هجمات الجماعات المسلحة، التابعة لإيران في العراق وسوريا، على القوات الأميركية.
والأرجح أن طهران، من خلال التوقيع على الاتفاق، نجحت في ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، من خلال الإفراج عن 5 مساجين أميركيين من أصول إيرانية. وأنها، وهذا المهم، ستماطل في أمر التوقيع مجدداً على الاتفاق النووي، إلى فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وتأكدها من هوّية الساكن الذي سيقيم في البيت الأبيض حتى عام 2028.