الانتخابات العراقية.. الديمقراطية ومشروعية بناء الدولة

1

علي حسن الفواز
 
الانتخابات البرلمانية في العراق على الأبواب، والمرشحون المتنافسون يمارسون اقصى درجات التعريف والاعلان والفرجة للتعريف بشخوصهم وليس ببرامجهم، وهذا ما يجعل الأفق الانتخابي – رغم اهميته وضرورته في تأصيل التجربة الديمقراطية- أمام معطيات من الصعب الرهان على اغلبها، وعلى مايطرحه المرشحون من تصورات تحتاج الى كثيرٍ من الوضوح.
اللحظة المفصلية للانتخابات البرلمانية العراقية تكتسب أهميتها من خلال خصوصيتها التاريخية، حيث تجري في مرحلة مابعد الانتصار على داعش، وتحرير المدن العراقية، كما أنّ اهميتها السياسية ليست بعيدة عن وقائع الصراعات التي تعيشها المنطقة، حيث الواقع الاقليمي بتداعياته، وحيث قرار الرئيس الاميركي ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، وما يمكن أنْ تنعكس تداعياته على الواقع السياسي، وعلى طبيعة مواقف الكتل السياسية المتنافسة، فضلا عن تأثير نتائج الانتخابات اللبنانية، وتأثير مُعطى الخارطة السياسية الجديدة على المنطقة وصراعاتها
واجنداتها..
الانحياز للديمقراطية لايعني بالضرورة اكتمال ادواتها، وأنّ جدّة القوى السياسية العراقية بالنظر الى تلك الديمقراطية هو الخيار العملياتي على انضاج ادوات التحوّل الديمقراطي، فالممارسة الانتخابية هي واحدة من حلقات تلك الديمقراطية، وأنّ عمل مفوضية الانتخابات يتطلب الدقة والمهنية في اعطاء العملية الانتخابية جرعات عالية من المهنية، وتكريسها في سياق بناء تقاليد وقيم تعزز مسار الدولة العراقية، وعلى وفق اسس ومبادىء يشارك بها ويؤمن بها الجميع، لأنها جوهر الديمقراطية، ولأنها الفضاء السياسي والانساني الذي يُسهم في تعظيم سيرورة الدولة
ويحميها..
 
 
البرلمان القوي…الدولة القوية
الحديث عن الدولة القوية يرتبط بالحديث عن المؤسسات التي تنتظم فيها هذه الدولة، وعن إطارها ونظامها وعن سلطتها التشريعية، لأنّ هذه السلطة تعكس جدّية البرامج التي يقترحها النوّاب في البرلمان، وقدرة تلك البرامج على التعبير عن الحاجات الوطنية للتنمية والحقوق والحماية، ولإدارة ملفات بناء الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية، فهذه البرامج تعني وجود النواب الذين يدركون أهمية دورهم الوطني السياسي والقانوني والثقافي في هذه المؤسسة المهمة، ولأنّ هذا الدور الوطني سيكون من جانب آخر هو الخيار الواقعي والحقيقي لتأصيل قوة الدولة الوطنية، وقوة مجتمعها.
 
 
السياسي، ومجتمعها المدني..
لقد بات واضحا أهمية هذه الانتخابات المفصلية، ليس لتكريس الديمقراطية الانتخابية، وحتى لتداول السلطة حسب، بقدر ما تكمن أهميتها العميقة في ترصين البناء الوطني وسط عديد الازمات التي نعيشها، لاسيما الازمات السياسية والازمات الاقتصادية، إذ بات من الضروري الحاجة الى وجود القوانين الحمائية التي تؤطر عمل الدولة العراقية، وتبعدها عن الصراعات السياسية في المنطقة، مثلما هو دورها في تخفيف أثر المشكلات الاقتصادية التي يمكن أن تتعرض لها، لاسيما مع تذبذب اسعار النفط، وخضوع الاقتصاد العراقي لريعية النفط، وعشوائية الاستيراد وغيرها من الأمور التي تدخل في مجال التجارة والعمل المصرفي
وغيرها..
 
 
السياسة والديمقراطية
والجيل الجديد..
من الصعب فصل الديمقراطية وخياراتها عن الواقع السياسي، فهذا الواقع الصاخب، والمفتوح على احتمالات واسعة يتطلب مراجعات كثيرة، وتوجهات جديدة، ورؤى جديدة، وحتى الى ثقافة برلمانية جديدة تنطلق من وعي المسؤوليات الوطنية والمهنية، وهو مايمكن الرهان عليه في سياق التعاطي مع تداولية السياسة، ومع أفق الديمقراطية، والتي تتبدى من خلال عدد المرشحين الشباب الى هذه الدورة الانتخابية، والذي يعكس اهتماما واسعا بهذه الشريحة المهمة والفاعلة من جانب، والى تجاوز(عقدة) بعض الوجوه التي تكررت من جانب آخر، تلك التي ارتبط اسمها بمظاهر فشل التعاطي مع كثير من الاستحقاقات التي ينبغي أنْ ينهض بها مجلس النواب العراقي، بوصفه السلطة المسؤولة عن تشريع القوانين الداعمة والساندة
لادارة الدولة..
التلازم مابين اهمية الادارة السياسية الناجحة، وفاعلية الاطار الديمقراطي مع الأفق المفتوح للجيل الجديد هو رهان على المستقبل، وعلى أنْ يكون مسار العملية السياسية أكثر مهنية في مواجهة تحديات بناء الدولة، وفي تجاوز عُقد المحاصصة والمناطقية والتخندق الطائفي، وهي أمور تؤثّر سلبا على توجهات البناء المجتمعي والدولتي، فضلا عن الاهمية القارّة في تعزيز العمل المؤسسي، وفي كافة المجالات، والتي بات الرهان عليها أمرا مهما ومسؤولا، على مستوى ترسيخ تقاليد الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، أو على مستوى بناء مؤسسات الدولة وحمايتها، وقوننة البناء المجتمعي عبر تبني مشاريع وبرامج لتنمية الحقوق العامة والخاصة، ولتنمية الخدمات وبناء المدن الحديثة، وتنشيط القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والثقافية، وكلّ مايدخل في سياق بناء دولة جديدة قادرة على مواجهة تحديات
ماهو قادم.

التعليقات معطلة.