عبدالله جعفر كوفلي
يوماً بعد آخر و نقترب من اليوم المحدد لأجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب العراقي المختلف اصلاً على موعد اجراءه و تم حسمه في نهاية الامر عن طريق المحكمة الاتحادية التي اقرت وحددت 12/5/2018 موعداً لا رجعة فيه وتزداد التكهنات على من سيتولى زمام الحكم في العراق لأربع سنوات قادمة ، و منها انطلقت المارثون لتبدأ التحالفات بالتأسيس او الانتهاء و الامل المعقود على كل ذلك ان تقود هذه الانتخابات بتحالفاتها الجديدة سفينة العراق العائم في بحر الخلافات المذهبية و الطائفية و الفساد المشتسري حتى العظم و عواصف الرياح المتتالية من التدخلات الاقليمية و الدولية لتسيرها وفق مصالحها جعلت من شراعها ممزقاً لا يفي بالحاجة منها ، و المجاذيف بيد شعب منهمك و منغمر في وحل الفساد الاداري و المالي و قلة الخدمات و مشاكل الحكومة الاتحادية مع اقليم كوردستان السياسية و الاقتصادية و حتى العسكرية ، و لكن يبقى الامل مترابطاً في النفوس ليصل الى بر الامان و العيش الرغيد مع يقين الشعب العراقي بأن الدورات البرلمانية السابقة لم تفلح في اداء واجباتها بشكل سليم ، و ان الاتي لا يكون بأحسن منها .
جميع الابواب مفتوحة امام هذه الانتخابات بين الاجراء في وقتها او التأجيل لأشهر و ربما لسنوات من حيث المبدأ فأن قراءة المستجدات على الساحة العراقية و الاقليمية التي تؤثر على الوضع الداخلي العراقي و لا تستطيع ان تقرر بمنأ عن الاعتبار للجوار الاقليمي، فأن بوادر التأجيل تلوح في الافق و ترتفع الاصوات هنا و هناك تنادى بالتأجيل و على النحو التالي :
المكون السني بأغلبيته مع تأجيل الانتخابات لفترة معينة و تأخذ من عدم استقرار مناطقها امنياً ، و وجود اعداد كبيرة من جماهيرها في مخيمات النازحين و اللاجئين سنداً في مطلبهم و مناطقهم منكوبة او ان سلطتهم لا تخرج من حدود بيوتهم و انه من غير الممكن دعوة هؤلاء النازحين و اللاجئين الى المشاركة في الانتخابات و التصويت لصالح مرشحيهم و كان معارضتهم في بداية تحديد يوم الانتخابات و لكن المحكمة الاتحادية قد حسمت الامر لصالح الحكومة الاتحادية .
المكون الكوردستاني و ان لم يعلن عن عدم رغبته في اجراء الانتخابات خاصة القوائم الكبيرة السابقة منه قائمة الحزب الديمقراطى الكوردستانى و الاتحاد الوطني وحركة التغيير ، إلا أن التجزئة و التمزيق الذي يعاني منه و تغيير مواقفهم تجاه الاحداث و خاصة بعد 16 اكتوبر 2017 و احتلال مدينة كركوك من قبل القوات العراقية و الحشد الشعبي و اعلان الحزب الديمقراطي الكوردستاني مقاطعته للانتخابات في هذه المحافظة و ظهور قوائم جديدة على الساحة الكوردستانية منها قائمة (الجيل الجديد بقيادة شاسوار عبداللواحد و قائمة العدالة و الديمقراطية بقيادة برهم صالح) و المشاكل الداخلية التي تعاني منها الاتحاد الوطني الكوردستاني و اخيراً حركة التغيير الذي لايزال يعاني من أثار رحيل رئيسه ، ناهيك عن فقدان الحزب الديمقراطي الكوردستاني لمساحات واسعة من مناطق نفوذه في سهل نينوى و شنكال و زمار ، كل هذا يؤثر سلباً على وزن القوائم الكوردستانية في مجلس النواب خاصة في وقت بات حكم الاغلبية هو الاسلوب المتبع في صنع القرارات و تشريع القوانين حيث لم يعد للشراكة و التوافق معنى ، و هذا يؤدي بنا الى القول مهما كان عدد النواب الكوردستانيين إلا انهم سيكونون في حكم الاقلية مقارنة بالاغلبية الشيعية او السنية اذا توحدت , لذا فأن الاتجاه الغالب او الفكرة السائدة تحيد الى تأجيل الانتخابات على الرغم من الاستعدادات اللازمة لها ويقابله حماسة القوائم الجديدة لخوضها .
المكون الشيعي هو الاخر منقسم على نفسه و سيشارك بعدة قوائم و ان كانت هناك اتفاقيات استراتيجية للتوحيد بعد ظهور النتائج الرسمية و لكنه ستعد لخوض الانتخابات لأنه استطاع خلال السنوات الماضية من توسيع رقعته الجغرافية و شراء ذمم العديد من الرؤوس و العامة ضمن المكون السني و الكوردستاني على السؤاء و ان التوجه العام لديهم هو الاجراء في وقتها لأن النتائج شبه محسومة لصالحها بالاضافة الى الدور الكبيرالذي يلعبه ايران في توحيدهم وتوجيههم .
امريكا : على الرغم من عدم اعلانها برغبتها في التأجيل إلا أنه بات واضحاً بأن الشخص الذي كان يعول عليه امريكا في العراق و الذي هو رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لم يعد كما كان سابقاً و ان قراراته و افعاله توحي بأنه يميل الى تطبيق اجندات ايرانية في المنطقة اكثر من امريكا أي هو اقرب الى ايران منه الى امريكا ، و نستدل بهذا موقف امريكا الرافض لمشاركة ميليشيات الحشد الشعبي للعملية السياسية و الانتخابات و ضرورة اخراجه من مناطق عديدة إلا ان الدعوة الامريكية قابلت بالرفض غير المباشر و اعلنت عن تأسيس قوائم متعددة للمشاركة و لم تخرج من تلك المناطق و انها تنفذ السياسة الايرانية في المنطقة , بالاضافة الى ان الحشد الشعبي بصورة عامة و فصائل حزب الله العراقي و عصائب اهل الحق تنادي و تضغط على الحكومة الاتحادية بضرورة مغادرة القوات الامريكية للأراضي العراقية كونهم محتلين، و لم تعد هناك حاجة عراقية لوجودهم بعد ان استعاد عافيته و انتصر على داعش (صورياً) . و من جانب آخر فأن التصريحات الايرانية في الاونة الاخيرة الصادرة من المراجع العليا تشير بأن الذي سيتسلم زمام السلطة في العراق يكون شرطياً تابعاً لقاسم سليماني ينفذ اوامره بحذافيرها ، و هذا ما يشكل قلقاً امريكياً تجاه الانتخابات العراقية القادمة و ما ستؤول اليه الاحداث و النتائج .
ظهور داعش من جديد : داعش هذا التنظيم الارهابي الذي دام عمر دولته لأكثر من ثلات سنوات و استطاعت القوات العراقية و البيشمةركة بمساعدة قوات التحالف الدولية من شبه انهاءه عسكرياً إلا ان الدلالات تشير الى ظهورها من جديد و خاصة في منطقة ايمن الموصل و الحويجة و حمام العليل و بادوش و تمكنت من القيام بعمليات مباغة تنتهي بقتل عدد من افراد القوات المسلحة و سرعان ما تختفي لتظهر في منطقة اخرى ، و ان تقريراً بريطانياً تشير الى ان داعش سترجع بقوتها السابقة و لا تزال لديها خلايا نائمة تستطيع في أي وقت ان تفرض سيطرتها على المناطق التي تشهد انفلاتاً امنياً او انها منكوبة شبه خالية من المواطنين . و انها ستشهد تأييداً شعبياً بسبب العنف و الغطرسة التي تمارسها ميليشيات الحشد الشعبي ضد اهالي تلك المناطق السنية ، وان امريكا هي التى أعلنت ان الاعلان عن الانتصار على داعش كان مبكراً .
اذن وسط هذه الاحداث و التجاذبات السياسية و العسكرية في المنطقة فأن تأجيل الانتخابات بات اقرب من اجراءها ، و بذلك ستضطر السلطات العراقية الى تشكيل حكومة انقاذ وطنية لأدارة البلاد في هذه المرحلة الصعبة و كذلك ستضطر امريكا الى دعم اقليم كوردستان من جديد بعدما اطلق يد الحكومة العراقية لتحارب الاقليم اقتصادياً و سياسياً بسبب اجراءه الاستفتاء الشعبي في 25/9/2017 و إلا سنشهد عراقاً خالياً و بعيداً عن التأثير الامريكي السياسي و العسكري مقابل سلطة ايرانية و سيطرة فارسية على العراق بحكومة عراقية ذات صبغة ايرانية و في حينها على المكون السني و الكوردستاني ان تقررا أما القبول بولاية الفقية وارتداء العمامة السوداء او المقاومة حتى النصر او الفناء و هذا ما سيشهده الايام القادمة .