الانتخابات العربية

1

عاصم منصور

شهد شهر أيار الحالي ثلاث عمليات انتخابية واسعة ومفتوحة وديمقراطية -إلى حد معقول- في العالم العربي، برلمانية في لبنان والعراق وانتخابات محلية في تونس. وعادة ما تقدم الانتخابات المفتوحة والنزيهة معطيات مهمة لاتجاهات الجمهور والمزاج الشعبي العام، وتوجهات الناخبين والمقاطعين، وتقييمهم المرشحين قوائم وأشخاصا ولطروحاتهم السياسية والأيديولوجية والبرامجية ..الخ. 

ولأن الانتخابات التي توفر معطيات تصلح للقراءة في عالمنا العربي هي أندر من الكبريت الأحمر -كما يقولون-، فإنه لا يمكن للمتابع أن يفوّت هذه الانتخابات من دون أن يحاول قراءة بعض معطياتها بما يسمح به المقام.

الملاحظة الأولى على العمليات الانتخابية الثلاث هي في تراجع الإقبال على المشاركة في الاقتراع مقارنة بما سبقها من انتخابات في الدول ذاتها، وهو مؤشر على مزيد من الإحباط الشعبي والعزوف عن المشاركة، وربما تكون هذه الظاهرة قابلة للتعميم على العالم العربي والمنطقة.

الملاحظة الثانية كانت في تقدم التيارات الإسلامية في هذه الانتخابات على تباين هذه التيارات مذهبيا وسياسيا، فالتحالف الشيعي في لبنان كان الفائز الأول في الانتخابات اللبنانية، وتقدم التحالف -الذي يقوده حزب الله- للجمهور ببرنامج وشعارات سياسية واضحة، واستهدف في خطابه المكون الشيعي. في حين انشطرت وتفرقت الكتل المذهبية في العراق وجاءت القوائم الإسلامية الشيعية – التيار الصدري، الحشد الشعبي، حزب الدعوة …- في المراكز الأولى، إلا أنها تقدمت ببرامج وشعارات حاولت أن تبتعد فيها عن المذهبية وعن الأيديولوجيا وخاطبت الناخبين بشعارات مكافحة الفساد، ورفع مستوى الخدمات، أما في تونس فقد حل حزب النهضة الإسلامي السني أولاً ببرنامج محلي خدمي.

وكان من اللافت في الحالة العراقية تقبل جمهور التيار الصدري لتحالف التيار مع الحزب الشيوعي العراقي (مرة وحدة!) في قائمة سائرون، والتي حققت مفاجأة بتصدرها الانتخابات بفارق بسيط عن الكتل الشيعية الأخرى، كما تقبل جمهور حزب النهضة التونسي وجود عدد من المرشحات غير المحجبات نجحن على قوائم الحزب.

التدخلات الإقليمية والدولية، والنزاعات والمنافسات على مواقع النفوذ في دول المنطقة ما كان لها أن تغيب عن هذه الانتخابات، حيث تراشق المتنافسون الاتهامات بالتبعية لهذا الطرف أو ذاك خلال فترة الانتخابات، إلا أن مختلف التيارات والكتل حاولت أن تظهر استقلالها عن الـتأثيرات الإقليمية والدولية، وأن تقوم بخطوات لبناء شراكات وطنية مع مختلف التيارات وبأجندة وطنية استجابة لضغوط شعبية. فقد حرص التيار الصدري -مثلا- على أن يظهر سعيه لإقامة حكومة لا تنحاز إلى أي من القوى الإقليمية الوازنة، وعرض التعاون مع الكتل كافة الفائزة في الانتخابات، وربما كان هذا الطرح هو صدى لتوجه شعبي عراقي سئم من الفرز المذهبي والقومي وتعطل التنمية، واختلال الأولويات. كما يتجه حزب الله وحلفاؤه لتسمية سعد الحريري رئيسا لوزراء لبنان في توافق على الحكومة والرئاسات الثلاث كما يطلق عليها في لبنان.

مكافحة الفساد هي من أكثر الشعارات تداولا في هذه الانتخابات، فمن الواضح أن هناك قناعة شعبية – في تلك الدول على الأقل- أن مكافحة الفساد هي أولوية سياسية واقتصادية للنهوض بالبلد والعدالة بين المواطنين، وكان من الطروحات التي أمكن ملاحظتها في هذه الدول أن المحاصصة المذهبية والسياسية والحزبية – والتي يبدو أنها مستمرة في هذه البلدان الثلاثة- تحمي الفساد وتتستر عليه، فكل شريك في الحكم يرهن سكوته عن الأطراف الأخرى بسكوت الآخرين عن وزرائه ورجالاته في الإدارة، وهذا عائق كبير لم تحدد القوى الفائزة طريقة للتعاطي معه، فماذا يمكن أن يقول التيار الصدري أو حزب الله أو النهضة للجمهور في موضوع مكافحة الفساد بعد سنوات، اذا وجد الحزب نفسه عاجزا عن تقديم إنجاز في موضوع مكافحة الفساد؟

صحيح أن لكل من لبنان والعراق وتونس خصوصيات اجتماعية وسياسية متعددة الجوانب، عميقة الأثر، إلا أنه ما يزال هناك الكثير من المشترك العربي والإسلامي الذي يمكن الوقوف عنده وتقييمه في هذه الانتخابات، خصوصا في ظل اتساع نطاق المشاريع العابرة للدول، وتدويل العديد من القضايا والصراعات في المنطقة التي تترك آثاراً على المواطن العربي.

التعليقات معطلة.