الانتخابات والديمقراطية في الوطن العربي

1

 
 
كاظم الموسوي
 
” التباهي بالمصطلحات بغير ما تعنيه لا يعني أنها أنجزت المطلوب منها، فاختيار الديمقراطية أسلوبا للحكم وتعبيرا عن تطورات الواقع السياسي والتحولات الاجتماعية لا يكتمل بالإعلانات والخطب والتصريحات، بل في التطبيق الفعلي، وهو في الوضع العربي مازال في بداياته ومقدماته، ولهذا فإن التجربة القائمة على اختيار الانتخابات بديلا او تعبيرا عما يعلن لا يغير من الصورة الفعلية والمنشودة، رغم أهميته كمرحلة أو تحول بمعنى ما في الوعي والإدراك الجمعي والتوجهات له.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهد هذا العام 2018م انتخابات في عدد من البلدان العربية، رئاسية وتشريعية ومحلية او بلدية كما تسمى فيها، وفي كل الأحوال مرت الانتخابات فيها بسلاسة وأمن مقبول، دون اشكاليات أمنية أو صراعات دموية، ولكنها حملت ايضا تناقضات الواقع العربي وتباينات العلاقة بين المواطن والسلطات الحاكمة. وبعد كل ما حصل تحتاج كل من هذه المفردات اليوم الى توضيح وتصريح، من مثل الديمقراطية والانتخابات والمواطن والسلطات في الوطن العربي خصوصا، رغم شيوعها وترددها عموما وتصدرها لمانشيتات او مطالع وسائل الاعلام العربية، الشعبية والرسمية، في كل البلدان، الجمهورية أو الملكية، حسب توزعها في الوطن العربي، وربما تتشابه في بعض صورها رغم تباين أساليب الحكم وطبيعته ومصادر الشرعية فيه.
قبل كل شيء لابد من القول إن الانتخابات عملية او آلية من آليات الديمقراطية، وليست البديل، والديمقراطية في مفهومها النظري اوسع معنى ودلالة، ولعل الانتخابات كآلية لها تعبير عما تريده الديمقراطية في التطبيق العملي، في الآليات الاخرى، التي تحمل معنى الانتخابات ونتائجها وتقبل الجماهير المشاركة فيها لها ولما يتقرر من بعدها، ولماذا تحديد الفترة لكل دورة انتخابية، ولماذا التبديل والتغيير في كل العمليات والافعال، واختيار الأنسب او المتفق مع التطور الاجتماعي والوعي السياسي والمهمات المطلوبة، وهو ما يميز في تجارب العمليات الديمقراطية بكل معانيها بين ما يحصل في البلدان الجمهورية أو الملكية او ما بينهما.
التباهي بالمصطلحات بغير ما تعنيه لا يعني أنها أنجزت المطلوب منها، فاختيار الديمقراطية أسلوبا للحكم وتعبيرا عن تطورات الواقع السياسي والتحولات الاجتماعية لا يكتمل بالاعلانات والخطب والتصريحات، بل في التطبيق الفعلي، وهو في الوضع العربي مازال في بداياته ومقدماته، ولهذا فإن التجربة القائمة على اختيار الانتخابات بديلا او تعبيرا عما يعلن لا يغير من الصورة الفعلية والمنشودة، رغم اهميته كمرحلة او تحول بمعنى ما في الوعي والإدراك الجمعي والتوجهات له.
يعني هذا أن الديمقراطية والانتخابات في الوطن العربي لم تسر كما ينتظر لها أو يرغب المواطن العربي في تجسيد مفهومها عمليا ليشعر بأن علاقته بالحكم والدولة قائمة على الاختيار الصحيح والتوافق المعلن والسياق التطويري في العملية التاريخية في الوطن العربي، في ظروفه الراهنة، عبر تجلياتها الزمنية والمكانية، أو من خلال التأثر والتأثير والارتباط والتراهن بين المصالح والاستقلالية التي تعرضت لما يعرقلها أو يثبطها ويستغلها لغير ما يجب أن تكون عليه. اذ واضح من سير صفحات التاريخ عبر العقود الاخيرة، من دخول الاستعمار الاجنبي او إخراجه بالعنف او بالاتفاقيات، ظلت الامال بالتحولات والتغيير قائمة ومطلوبة.
لعبت الدول الاجنبية (لاسيما الغربية الرأسمالية) أدوارا في العرقلة واستهدفت ممارساتها منع الشعب من الاختيار الحقيقي لاماله ومصالحه، مما جعل الصورة الراهنة، في الواقع العملي، خلاف ما يعلن عنها. فلا الجمهوريات حققت تطبيقا سليما وتقدمت في نموذج يشهد له، ولا الملكيات ارتضت أن تتسابق في هذا الاختبار. كما أن الضغوط الخارجية باشكالها المختلفة، سعت إلى الغلبة والهيمنة، وإبعاد رياح التغيير الواسع من الوصول او التفاعل، وحتى الإصلاح والحديث عن دساتير ملزمة وتبادل منافع بين المواطن والحكم، بين الشعب والسلطات، بين التشريع والشرعية، والتحولات الإيجابية لبناء الأوطان وخدمة العمران، بقيت كصراخ في برية. رغم أن الجماهير وقوى الاستقلال والتغيير حاولت أن تذكّر او تحذّر، وهو أضعف الإيمان أمامها في تعاملها مع تلك الادارات والجهات.
إزاء هذا ردّ الشعب على محاولات هذا العام بما يمكنه من التعبير عن خيبة أمله واحتجاجه على التناقضات والصراعات والتجاوزات غير القانونية على المصالح العامة والتطورات الواجبة، ردّ بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات، في التفرج على نتائج تعكس وقائع محزنة لابد من قراءتها بجدية والاستفادة منها دروسا وعبرا للتغيير والعودة إلى الشعب، مصدر السلطات. ولعل في خلاصة أخرى البحث في دور الأحزاب والمنظمات في هذا الواقع وما آل إليه من نتائج كاشفة بوعي جديد وفهم واضح لكل ما يتطلب عمله، سواء في إعادة النظر في اساليب الحكم أو التوعية او التغيير. اذ لا يمكن التفكير بكل ذلك وزعيم الحزب أو المنظمة متشبث في مركزه طيلة حياته، دون حساب العمر أو المساهمة التشاركية او القيادة الفعلية، وكذلك في البرامج والأساليب الداخلية والعملية وتطبيقاتها الملموسة. وقد تركت هذه الظاهرة فعلها في تمرير التكلس وتبرير التخشب في الدور وهدف التغيير، كما عكس علاقات تراجع لا تقدم ، تخلف لا تطور، جمود لا تجدد.
زاد في التخريب والعرقلة تداخل قوى الاستغلال ومعها قابلية التخادم، لاسيما ما اصبح معروفا ومنشورا علنا من تعاون بين بعض تلك المنظمات والدول الاستعمارية، بواجهات مختلفة، ومسميات متعددة. اذ بينت الاخبار عن البرامج المشتركة وإسهامها في تشويه الوعي وغسل الأدمغة، والتناقض بين الشعارات المرفوعة والأهداف المنشودة، بين الاعلانات والمشاريع وبين الوسائل والتطبيقات. وهو ما يلفت الانتباه الان كثيرا ويكشف عمليات التدخل والبرمجة لها لتحويل تطلعات الشعب إلى خيبة أمل واحباط كثيف.
فالانتخابات والديمقراطية في الوطن العربي في منجزاتها هذا العام لم تغير الوقائع وتطور الاهداف، اذ ظلت مراوحة بين ما كان قبلها واستمر بعدها او تلون عنها، وحسب، بما لا يغير فيها جوهرها ولا الامال منها. كما أنها بينت انها مازالت غير مكتملة ويشوبها الغموض والتناقض بينها وبين الواقع والاحلام، او بمعنى اخر أن الوطن العربي لم يجدد فيها أو يتجدد منها. حيث ظلت قوة السلطات والمنظمات والشخصيات الواجهة في المشهد السياسي فاعلة ومؤثرة وكأن الحياة متوقفة عليها وان مياه النهر لم تجر كعادتها.
ان الاساس العلمي لكل من مفهوم الديمقراطية وآلياتها المعروفة، في الانتخابات، وتداول السلطات، واحترام الحريات، وقبول المشاركة العامة، والحقوق، وسيادة القانون، وغيرها مما تم وانجز وأصبح خطوات متتالية لها تعرف بها ويحسم الأمر عندها. اذ لا ديمقراطية بدون انتخابات ولا انتخابات بدون مجتمع مدني ودستور ودولة قانون وثقافة تجديد وتقدم، تؤمن بالحريات وتبشر بالحقوق والعدالة والمساواة على جميع الصعد وتمكين المواطن/ الانسان، مع الاستقلال والسيادة.

التعليقات معطلة.