الانتصارات الأميركية لا تكتمل

1

مصطفى زين
قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون: «عندما أطلقنا حملتنا في 2014، كان تنظيم الدولة الإسلامية يتوسع، واليوم أصبح مهزوماً». لكنه حذر من أن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد التنظيم «لا يعني أننا هزمناه نهائياً». والتحذير هنا يعني كل الدول المتحالفة ضد الإرهاب وقد اجتمعت في الكويت للبحث في إعمار العراق الذي شاركت الولايات المتحدة في تدمير بناه الأساسية ولحمته الاجتماعية، طوال احتلاله منذ 2003 إلى اليوم.
 
الانتصارات الأميركية دائماً ناقصة. من الحرب العالمية الثانية، إلى الحرب الكورية، أي من أربعينات وخمسينات القرن الماضي إلى أحدث الحروب في العراق والمشرق، مروراً بأفغانستان. انتصرت واشنطن والحلفاء على ألمانيا النازية ودول المحور، لكن النصر لم يكتمل، فما أن انتهت الحرب حتى أصبح الاتحاد السوفياتي الشريك في هزيمة هتلر عدواً وجب تطويقه والتصدي لطموحاته في أوروبا، فكانت الحرب الباردة التي استمرت إلى التسعينات مع ما رافقها من سباق على التسلح وحروب بالوكالة في دول أخرى.
 
وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي واستبدال الإسلام بالعدو الشيوعي لم يكتمل النصر أيضاً فلجأت واشنطن إلى تطويق روسيا بالتحالف مع دوله «المستقلة» في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، وإدخال الأخيرة في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، وانتصرت أميركا على موسكو في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، بالتعاون مع التنظيمات الإسلامية، لكن المهمة لم تكتمل وما زال جنودها يخوضون معارك ضد حلفاء الأمس. وحققت في كوريا انتصاراً كبيراً وقسمت البلاد بين شمال وجنوب (بين كيم وكيم) واستتبعت اليابان التي أصبحت أحد أهم حلفائها في الشرق الأقصى، وما زالت حتى اليوم تحاصر بيونغيانغ وتهددها بالإبادة وتحول دون توحيد شبه الجزيرة. وحلت مكان الاستعمار الفرنسي في فيتنام، حيث لاقت هزيمة ما زالت تشكل عقدتها التاريخية. وهي تهدد الصين معتمدة على تايوان.
 
في أول أيار (مايو) 2003، أي بعد شهر على بدء غزو العراق، وقف بوش الابن على متن حاملة الطائرات ابراهام لنكولن ليعلن نهاية المعارك العسكرية وقال: «انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المعركة، وننهمك الآن في السيطرة على أمن ذلك البلد وإعماره». التركيز على الإعمار استتبع معارك ضد «القاعدة» و «داعش» ما زالت مستمرة حتى الآن، أي حتى تأكيد تيلرسون الأسبوع الماضي أن هذا التنظيم لم يهزم نهائياً ويجب أن تتزامن محاربته مع إعادة الإعمار.
 
أما في سورية، حيث عشرات التنظيمات الإرهابية، وحيث تتشابك مصالح الدول وتعقد التحالفات والصفقات فللولايات المتحدة حسابات أخرى. حسابات تبدأ من التصدي للنفوذ الإيراني والروسي ولا تنتهي بهزيمة «داعش» والتنظيمات الموالية لدمشق، ففي هذه البقعة الجغرافية توجد درة التاج إسرائيل بما تعنيه لواشنطن في مختلف العهود الديموقراطية والجمهورية، ويحل في البيت الأبيض الآن رئيس لا يفرق بين السياسة والتجارة، ونائبه الذي يمثل الصهيونية المسيحية، بكل ما تعنيه من عنصرية وغرق في ظلامية أساطير التوراة وإيمان ديني متزمت أين منه إيمان أبو بكر البغدادي.
 
الانتصارات الأميركية لن تكتمل وحروبها مستمرة في كل مكان.

التعليقات معطلة.