عليان عليان
مع بداية الأسبوع الثاني لانتفاضة القدس ،يواصل الشعب العربي الفلسطيني في الضفة الغربية وفي القلب منها القدس، وفي وقطاع غزة ، انتفاضته رداً على قرار ترامب الذي يعترف فيه بالقدس عاصمة ( لإسرائيل)، عبر أشكال مختلفة للمقاومة، وبمواجهات دموية مع قوات الاحتلال في مدن الضفة ، وعلى خطوط التماس مع العدو في قطاع غزة ، والعدو الصهيوني يفقد أعصابه ويطلق النار بكثافة على شباب وشابات الانتفاضة ، ما يزيد من عدد الشهداء والجرحى ، في محاولة بائسة منه لوقف الانتفاضة والحد من مفاعيلها .
هذه الاندفاعة الهائلة لشباب الانتفاضة ، تتم على عاتقهم وبإرادتهم ، بينما سلطة الحكم الذاتي لا تجرؤ على دعمهم ، التزاماً بنهج الرئيس عباس الذي صرح أكثر من مرة ” بأنه لن يسمح باندلاع انتفاضة جديدة ” ، في حين أن القيادة المتنفذة في منظمة التحرير لم تلجأ حتى اللحظة إلى دعوة اللجنة التنفيذية ولا المجلس المركزي للانعقاد ، وكأن انتفاضة القدس في مكان آخر في الكرة الأرضية .
ولا يغير من واقع السلطة ودورها الخطاب الإنشائي للرئيس عباس- الذي لا يشبه شعبه- في قمة اسطنبول الإسلامية ، الذي امتدح فيه الدور السعودي المتآمر على فلسطين والقدس ، ولم ينبس فيه ببنت شفة عن الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية ، أو بمطالبة المؤتمرين بتقديم الدعم المادي لصمود أهل القدس ومؤسساتها ، ناهيك أنه راح يطالب دول العالم سحب اعترافها بإسرائيل ، ما أثار تندر المراقبين كونه لم يقم بسحب اعترافه فيها.
أما الفصائل الرافضة لاتفاقات أوسلو ومشتقاتها ، فرغم تبنيها لمطالب الانتفاضة بإلغاء أوسلو وسحب الاعتراف (بإسرائيل) ، ورغم مطالبتها الجماهير بمسيرات الغضب، إلا أن مشاركتها لا تزال في الحدود الدنيا، وهي حتى اللحظة لم تبادر إلى تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة لدعمها ولتوفير سبل إدامتها ، رغم أنها تعلن في بياناتها وتصريحات قادتها عن الضرورة الملحة لتشكيلها ، ما يطرح أسئلة لا تزال تبحث عن إجابة .
هل أن هذه الفصائل أو بعضها ، لا تريد أن تقطع مع السلطة ورئيسها حتى لا تخسر مصادر تمويلها وامتيازات قادتها؟ أم أنها لا تستطيع تحمل أعباء الانتفاضة كونها لا تملك إمكانية الوفاء بالتزامات أسر الشهداء والجرحى ، وبقية مستلزمات الانتفاضة على الصعيدين الاجتماعي واللوجستي ، وفي الذاكرة تخليها عن انتفاضة الدهس والسكاكين عام 2015 ، وإصرارها آنذاك على توصيفها بأنها مجرد هبة شعبية وليس انتفاضة ؟!
إن الظروف باتت مؤاتية لإدامة الانتفاضة ولتشكيل قيادة موحدة لها ارتباطاً بمجموعة عوامل أبرزها:
أولاً : أن قيادة السلطة لن تجرؤ على وقف الانتفاضة في هذه المرحلة، رغم التزامها بالتنسيق الأمني المثبت في بنود كافة الاتفاقات الموقعة مع العدو الصهيوني في أوسلو 1 وأوسلو 2 واتفاق واي ريفر وخارطة الطريق وأنابوليس ، لأن الإدارة الأمريكية أحرجتها وتركتها عارية أمام شعبها، بعد أن وضعت كل بيضها في السلة الأمريكية.
ثانياً : لأن معظم فصائل المقاومة متوافقة سياسيا في مطالبتها قيادة السلطة بإلغاء اتفاقات أوسلو وإلغاء الاعتراف ( بإسرائيل) ، وإلغاء التنسيق الأمني مع الاحتلال .
ثالثاً : لأن هنالك تطوراً ملموساً في موقف قواعد حركة فتح، لجهة أخذ موقفاً متمايزاً عن موقف السلطة من قرار ترامب ، والمشاركة بفعالية ملموسة في الانتفاضة الراهنة سواءً في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
رابعاً: لأن جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ومناطق 1948 تبدي استعداداً هائلاً لخوض معركة الدفاع عن القدس ولإسقاط قرار ترامب ، ولإسقاط الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية وعلى رأسها صفقة القرن الأمريكية.
خامساً: يضاف إلى ما تقدم ، أن الانتفاضة الفلسطينية باتت تستند إلى عمق شعبي عربي هائل ،بات يعبر عن نفسه بمظاهرات ضخمة في مختلف عواصم ومدن الوطن العربي، ضد نهج الولايات المتحدة الإمبريالي وأدواتها الرجعية في المنطقة التي وافقت عملياً على قرار ترامب ، وضد نهج التسوية والتطبيع مع العدو الصهوني.
وبخصوص آلية القيادة الموحدة، يمكن الإشارة إلى مسألتين هما :
1-أن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة شكلت لجنة للمتابعة كخطوة على طريق تفعيل التنسيق المشترك الداعم للانتفاضة واستمراريتها ، لكن مثل هذه الخطوة لم تحصل في الضفة الغربية ، ما يؤكد حقيقة أنه كلما كان حضور للسلطة وأدواتها كلما تراجع العمل ألتنسيقي المشترك لدعم الانتفاضة واستمرارها.
2- أن العمل المشترك لقيادة الانتفاضة، يقتضي أن يرتكز على برنامج سياسي مشترك يعكس نبض الشارع في رفض برنامج التسوية ، وفي التأكيد على المقاومة بكل أشكالها، وتطوير الانتفاضة بشكل متدرج وصولاً لعصيان المدني الشامل، وذلك بعيداً عن برنامج السلطة التسووي الذي لم يقطع حتى اللحظة مع جوهر اتفاقات أوسلو ومشتقاتها.
والسؤال هنا: إذا كانت الفصائل الفلسطينية الأقرب إلى نبض الشارع وشعاراته وهي ( حركتا حماس والجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية) تعلن عن دعمها لمطالب الشارع المنتفض، فهل تستطيع قيادة حركة فتح أن تتحرر من قيود السلطة والتزاماتها الأمنية ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن فتح هي حزب السلطة الرئيسي.
الانتفاضة حتى الآن تكاد تتماهى مع الانتفاضة الأولى ( انتفاضة الحجارة 1987-1993) من حيث موجاتها المتلاحقة ، ومن حيث أساليب النضال في المواجهات مع جنود العدو ، ومن حيث الشمولية- نسبياً- لمختلف الفئات الاجتماعية المشاركة فيها، لكنها حتى اللحظة لم تنتشر في عموم أرجاء الضفة الغربية، وخاصةً في الريف في محيط المستوطنات ، ولا تزال تتركز بشكل رئيسي في القدس ، وشمال مدينة البيرة قرب حاجز مستوطنة بيت أيل ، وفي بيت لحم .
ومسألة الانتشار الجغرافي للانتفاضة وفعالياتها، تحتاج إلى جهد مثابر من فصائل المقاومة للتصدي لموضوع التنسيق الأمني الذي لم يتوقف حتى اللحظة ، هذا التنسيق الذي لعب دوراً رئيسياً في إجهاض انتفاضة 2015 ” الدهس والسكاكين، وفي الذاكرة إعلان مدير مخابرات السلطة الفلسطينية آنذاك اللواء ماجد فرج بأن جهازه تمكن من إجهاض 200 عملية فدائية ضد الكيان الصهيوني في غضون أربعة شهور ، وفي الذاكرة أيضاً تصريح الدكتور نبيل شعث- عضو اللجنة المركزية لحركة فتح- بأن السلطة الفلسطينية تنفق على التنسيق الأمني أكثر من إنفاقها على وزارة التربية والتعليم .