14-06-2021 | 06:00 المصدر: النهار العربيحسن إسميك
قبضة اليد (رمز الثورة) أصبحت نصباً تذكارياً، زوارها المحبطين يضعون أكاليل الورد وكلهم حزن
A+A-“صار الانتظار في حياتنا حرفة”، بكثير من اللامبالاة، قالها الشاب بلكنته اللبنانية المميزة، وهو جالس إلى جانبي على مقاعد قاعة الانتظار في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، عندما ظهر على الشاشة الإلكترونية إعلان تأجيل موعد إقلاع الطائرة المتوجهة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. لم يشغل بالي حساب ساعات الانتظار القادمة، ولا مواعيدي المعلقة بسبب التأجيل الحاصل، بقدر ما شغلني مدى صحة هذه الجملة التي بدت وكأنها عنوان صريح عن المرحلة الحرجة التي تعاني منها معظم البلدان العربية؛ مرحلة النهوض القائم على أمل التغييرات وانتظارها، بخاصة بعد موجة الثورات العربية التي اجتاحت البلاد في السنوات الماضية. تُخبر الصورة الموضوعة على الغطاء الخارجي لهاتفه المحمول عن ميوله السياسية وتوجهاته، فشعار “قبضة اليد” صار بوضوح، تعبيراً صارخاً عن الحراك الشعبي ـ أو الثورة كما يفضل أصحابها أن يسموها ـ الذي بدأ في لبنان منذ أواخر عام 2019 ضد إجراءات ضريبية غير محسوبة قامت بها الحكومة اللبنانية. قلت له: “يبدو لي أن انتظارك في الساحات كان طويلاً”، فأجابني وقد انتبه إلى ما أقصد: “لا أذكر بالضبط عدد الليالي التي قضيناها – نحن المتظاهرين – في الشوارع، هي كثيرة بالتأكيد، لكنني أذكر كل الهتافات التي نادينا بها في كل وقفاتنا منذ انطلاق الاحتجاجات ضد الوضع البائس الذي نعيشه، إلى حين تحولها حراكاً سياسياً شاملاً يدين الطائفية السياسية السائدة في لبنان بمؤسساته ومسؤوليه، ويؤكد لزوم محاسبة الفاسدين منهم، بخاصة أن نظام المحاسبة والمراقبة لدينا معطل”. بدوري، صرت أتذكر صور وفيديوات المتظاهرين التي ملأت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لقد كان حراكاً سلمياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أكمل الشاب بقليل من الحسرة: “حصدت الاحتجاجات بعضاً من النتائج الإيجابية، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي تبعاً لبطء سير عملية الإصلاحات المنادى بها طغى على كل التطلعات التي خرجنا من أجلها، ولعل انتظاري هذه الرحلة اليوم، وقراري المغادرة، كان خياري الأخير للبدء من جديد”. في الواقع، ساقني حديث الشاب إلى التفكير بمزيد من الأسف في أحوال هؤلاء الشباب الذين صودرت أحلامهم لحساب واقع سياسي واجتماعي مرير. لم يدم الصمت أكثر من برهة حتى قاطعه صوت زميل انتظار آخر، وجَّه الحديث الينا قائلاً: “ما أشبه حالنا في العراق بحالتكم في لبنان، إذ إننا زرعنا الشوارع بخطواتنا واحتجاجاتنا على الوضع الاقتصادي المتردي تبعاً لانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة. وسرعان ما تحوّل هذا الحراك الشبابي، الذي سُمّي حينها بـ(ثورة التوكتوك)، نقمة على الواقع السياسي وصل إلى المطالبة، جدياً، بتغيير شكل الحكم السائد المقاد خارجياً، والانطلاق نحو آفاق جديدة من الديموقراطية والتشاركية”. دفعني ما قاله هذا العراقيّ إلى سؤاله مجدداً: “إلى ماذا أفضى هذا الحراك العام؟”. ابتسم في وجهي قائلاً: “شأني شأن اللبناني في انتظار هذه الطائرة”. ازداد حوارنا العام تشويقاً مع دخول صوت أنثوي باللهجة المصرية المحببة فارضاً مداخلةً مفادها “إن الفارق الواضح في المسألة المصرية منذ سنوات، كان لجهة الكثافة الشبابية في الحراك كنتيجة منطقية لفارق عدد السكان، بل حتى أنه أضحى سلوكاً اجتماعياً مقبولاً يبرز عند أي حدث متعلق بالواقع الاجتماعي والسياسي في مصر”. وأضافت: “ما جنيناه في مصر على وجه الخصوص، أن أصواتنا الاحتجاجية صارت تؤخذ بعين الاعتبار من الحكومة التي تسارع إلى محاولة إيجاد الحلول المناسبة. لا أنكر طبعاً أن مصر حققت إنجازات كبيرة، بخاصة إذا ما قورن الحراك فيها بباقي الدول العربية، إلا أن الطريق ما زال طويلاً أمام بلادي، بخاصة على الصعيد المعيشي، الأمر الذي ما زال يدفع بأعداد من الشباب نحو البحث عن أبواب جديدة خارج حدود مصر، وهذا بالضبط ما أفعله هنا بينكم”. ولأننا كعرب، نتّسم بالألفة وبالمهارة العالية في كسر الحواجز الاجتماعية، اشترك أغلب المنتظرين في هذا الحديث المتعدد الأطراف، يدلون بدلوهم عن تجاربهم الخاصة في بلدانهم وفي شوارعها المتخبطة، إلا واحداً كان يقف مستمعاً باهتمام برغم ما بدا عليه من ملامح الخيبة والإحباط، ما دفعني لأسأله إن كان ثمة في حديثنا ما يعنيه، فكان جوابه الأول كفيلاً بفهم ما يعتريه؛ قال نعم، فأنا من سوريا، وسرعان ما أردف محاولاً تفادي الخنقة في صوته: “فُرض علينا طريق أكثر قسوة من الذي خبرتموه في بلدانكم، لقد كانت بلادنا قد بدأت تسير على طريق التطوير، وأراد كثيرون، مأخوذين بما جرى في بلدان عربية أخرى، أن يكون صوتهم مسموعاً. لكن أحداً ما، بطريقة ما، سرق هذا المطلب وقاد الحوادث في البلاد إلى اتجاه بعيد وغريب ومحفوف بالمخاطر القاتلة. فلا أدري كيف انتقلت الحال بالسوريين من رواد أحلام وشعارات إلى ضحايا حرب فُرضت عليهم. لقد استُغِّل طموح الشباب السوري وأمله بمستقبل واعد يعيد بناءنا وبناء وطننا ويعدنا بقادمٍ أفضل، بأسوأ طريقة، فوجد السوريون أنفسهم تحت رحى حرب طاحنة، اجتاحت فيها التنظيمات الإرهابية بلادهم، وهمّشت دورهم، وصرنا كشباب نعمل فقط لمجرد الحفاظ على ما تبقى من أحلامنا في سلة مدخراتنا، لحساب المضي قدماً بأقل الخسائر”. أجل، لا بد من الإقرار بأن الحالة السورية تختلف تماماً عن نظيراتها في لبنان والعراق ومصر، فهي متشحة بالسواد بحيث تصعب مقارنتها بجيرانها مهما كان شكل الحراك لديهم، ومهما كانت النتائج التي حصدوها في ما بعد. إنه أمر محزن للغاية يا صديقي، هذا ما قلته للشاب السوري الذي كان يهمّ بحمل حقيبته معلناً انتهاء ساعات الانتظار المفروضة، فأجابني بصوت تعلوه نبرة بائسة: “ما يحزنني أكثر أنني نجوت من رحى الصراع المسلح وشهدت عودة الهدوء إلى كثير من أرجاء البلاد، وأجد نفسي مضطراً اليوم إلى السفر، ليس هرباً من الموت الذي فرضه علينا الإرهاب، بل بسبب العقوبات التي تفرضها علينا الدول المتمدنة والمتحضرة التي تخنق اقتصادنا وتجعل مجرد العيش الكريم بالنسبة إلينا حلماً يُرتجى، وهم أنفسهم من كانوا ينادون بحقوق السوريين وحمايتهم!!”. انتهى الحديث لكن لم تنته الأفكار التي حفزها لدي، بقيت بعدما أخذت مكاني المخصص في الطائرة، أستعيد بعضاً من أحاديث ذلك الحوار الشيق المليء بمختلف المشاعر التي تحفر عميقاً في الوجدان الإنساني. بإمكاني ومن دون مبالغة أن أطلق على هذه الساعة لقب (قمة عربية شبابية) بامتياز، وما أفقر بلداننا الى مثل هذه المبادرات تنظمها مؤسسات ترعى الشباب وأحلامهم، وما أحوجنا في المقابل إلى مستويات عليا من التنظيمات المدنية لرفع مستوى الثقافة السياسية بين مختلف أطياف المجتمعات العربية، وبناء ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر، بما ينقل الحراك الشبابي من المجال الثوري القابل للاستغلال وللتدخل الخارجي، إلى مستوى الحراك الاجتماعي البناء والقادر على إحداث التغييرات التي تناسب شبابنا العربي وطموحاته. لا يملك الشباب الحالي في الوطن العربي من وسائل وأساليب للمقاومة والتغيير سوى أصواتهم وشعاراتهم، يلقونها في الشوارع أو على منصات التواصل الاجتماعي، لذا صار من اللازم على الحكومات العربية التعامل مع هذا الغليان الشبابي بطريقة عصرية مختلفة عن المراحل السابقة التي شهدت طيفاً واسعاً من العنف والقسوة، وتأمين منابر حقيقية ذات مساحات واسعة للتعبير عن تطلعات هؤلاء الشباب في بناء الأوطان والمشاركة في صنع مستقبله، فالشباب، لطالما كان النسغ الأساسي لعملية بناء المجتمع والوطن. مضت الرحلة.. وظلَّت تتردد في ذهني أبيات الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي:إِذا أَنا أَكبَرتُ شَأنَ الشَبابِفَإِنَّ الشَبابَ أَبو المُعجِزاتحُصونُ البِلاد وَأَسوارُهاإِذا نامَ حُرّاسُها وَالحُماةغَدٌ لَهُم وَغَدٌ فيهِمفَيا أَمسُ فاخِر بِما هُوَ آت
14-06-2021 | 06:00 المصدر: النهار العربيحسن إسميكالانتقال من الحراك الثّوري إلى الحراك الاجتماعي… حوار مع شبّان عرب
قبضة اليد (رمز الثورة) أصبحت نصباً تذكارياً، زوارها المحبطين يضعون أكاليل الورد وكلهم حزن
A+A-“صار الانتظار في حياتنا حرفة”، بكثير من اللامبالاة، قالها الشاب بلكنته اللبنانية المميزة، وهو جالس إلى جانبي على مقاعد قاعة الانتظار في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، عندما ظهر على الشاشة الإلكترونية إعلان تأجيل موعد إقلاع الطائرة المتوجهة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. لم يشغل بالي حساب ساعات الانتظار القادمة، ولا مواعيدي المعلقة بسبب التأجيل الحاصل، بقدر ما شغلني مدى صحة هذه الجملة التي بدت وكأنها عنوان صريح عن المرحلة الحرجة التي تعاني منها معظم البلدان العربية؛ مرحلة النهوض القائم على أمل التغييرات وانتظارها، بخاصة بعد موجة الثورات العربية التي اجتاحت البلاد في السنوات الماضية. تُخبر الصورة الموضوعة على الغطاء الخارجي لهاتفه المحمول عن ميوله السياسية وتوجهاته، فشعار “قبضة اليد” صار بوضوح، تعبيراً صارخاً عن الحراك الشعبي ـ أو الثورة كما يفضل أصحابها أن يسموها ـ الذي بدأ في لبنان منذ أواخر عام 2019 ضد إجراءات ضريبية غير محسوبة قامت بها الحكومة اللبنانية. قلت له: “يبدو لي أن انتظارك في الساحات كان طويلاً”، فأجابني وقد انتبه إلى ما أقصد: “لا أذكر بالضبط عدد الليالي التي قضيناها – نحن المتظاهرين – في الشوارع، هي كثيرة بالتأكيد، لكنني أذكر كل الهتافات التي نادينا بها في كل وقفاتنا منذ انطلاق الاحتجاجات ضد الوضع البائس الذي نعيشه، إلى حين تحولها حراكاً سياسياً شاملاً يدين الطائفية السياسية السائدة في لبنان بمؤسساته ومسؤوليه، ويؤكد لزوم محاسبة الفاسدين منهم، بخاصة أن نظام المحاسبة والمراقبة لدينا معطل”. بدوري، صرت أتذكر صور وفيديوات المتظاهرين التي ملأت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لقد كان حراكاً سلمياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أكمل الشاب بقليل من الحسرة: “حصدت الاحتجاجات بعضاً من النتائج الإيجابية، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي تبعاً لبطء سير عملية الإصلاحات المنادى بها طغى على كل التطلعات التي خرجنا من أجلها، ولعل انتظاري هذه الرحلة اليوم، وقراري المغادرة، كان خياري الأخير للبدء من جديد”. في الواقع، ساقني حديث الشاب إلى التفكير بمزيد من الأسف في أحوال هؤلاء الشباب الذين صودرت أحلامهم لحساب واقع سياسي واجتماعي مرير. لم يدم الصمت أكثر من برهة حتى قاطعه صوت زميل انتظار آخر، وجَّه الحديث الينا قائلاً: “ما أشبه حالنا في العراق بحالتكم في لبنان، إذ إننا زرعنا الشوارع بخطواتنا واحتجاجاتنا على الوضع الاقتصادي المتردي تبعاً لانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة. وسرعان ما تحوّل هذا الحراك الشبابي، الذي سُمّي حينها بـ(ثورة التوكتوك)، نقمة على الواقع السياسي وصل إلى المطالبة، جدياً، بتغيير شكل الحكم السائد المقاد خارجياً، والانطلاق نحو آفاق جديدة من الديموقراطية والتشاركية”. دفعني ما قاله هذا العراقيّ إلى سؤاله مجدداً: “إلى ماذا أفضى هذا الحراك العام؟”. ابتسم في وجهي قائلاً: “شأني شأن اللبناني في انتظار هذه الطائرة”. ازداد حوارنا العام تشويقاً مع دخول صوت أنثوي باللهجة المصرية المحببة فارضاً مداخلةً مفادها “إن الفارق الواضح في المسألة المصرية منذ سنوات، كان لجهة الكثافة الشبابية في الحراك كنتيجة منطقية لفارق عدد السكان، بل حتى أنه أضحى سلوكاً اجتماعياً مقبولاً يبرز عند أي حدث متعلق بالواقع الاجتماعي والسياسي في مصر”. وأضافت: “ما جنيناه في مصر على وجه الخصوص، أن أصواتنا الاحتجاجية صارت تؤخذ بعين الاعتبار من الحكومة التي تسارع إلى محاولة إيجاد الحلول المناسبة. لا أنكر طبعاً أن مصر حققت إنجازات كبيرة، بخاصة إذا ما قورن الحراك فيها بباقي الدول العربية، إلا أن الطريق ما زال طويلاً أمام بلادي، بخاصة على الصعيد المعيشي، الأمر الذي ما زال يدفع بأعداد من الشباب نحو البحث عن أبواب جديدة خارج حدود مصر، وهذا بالضبط ما أفعله هنا بينكم”. ولأننا كعرب، نتّسم بالألفة وبالمهارة العالية في كسر الحواجز الاجتماعية، اشترك أغلب المنتظرين في هذا الحديث المتعدد الأطراف، يدلون بدلوهم عن تجاربهم الخاصة في بلدانهم وفي شوارعها المتخبطة، إلا واحداً كان يقف مستمعاً باهتمام برغم ما بدا عليه من ملامح الخيبة والإحباط، ما دفعني لأسأله إن كان ثمة في حديثنا ما يعنيه، فكان جوابه الأول كفيلاً بفهم ما يعتريه؛ قال نعم، فأنا من سوريا، وسرعان ما أردف محاولاً تفادي الخنقة في صوته: “فُرض علينا طريق أكثر قسوة من الذي خبرتموه في بلدانكم، لقد كانت بلادنا قد بدأت تسير على طريق التطوير، وأراد كثيرون، مأخوذين بما جرى في بلدان عربية أخرى، أن يكون صوتهم مسموعاً. لكن أحداً ما، بطريقة ما، سرق هذا المطلب وقاد الحوادث في البلاد إلى اتجاه بعيد وغريب ومحفوف بالمخاطر القاتلة. فلا أدري كيف انتقلت الحال بالسوريين من رواد أحلام وشعارات إلى ضحايا حرب فُرضت عليهم. لقد استُغِّل طموح الشباب السوري وأمله بمستقبل واعد يعيد بناءنا وبناء وطننا ويعدنا بقادمٍ أفضل، بأسوأ طريقة، فوجد السوريون أنفسهم تحت رحى حرب طاحنة، اجتاحت فيها التنظيمات الإرهابية بلادهم، وهمّشت دورهم، وصرنا كشباب نعمل فقط لمجرد الحفاظ على ما تبقى من أحلامنا في سلة مدخراتنا، لحساب المضي قدماً بأقل الخسائر”. أجل، لا بد من الإقرار بأن الحالة السورية تختلف تماماً عن نظيراتها في لبنان والعراق ومصر، فهي متشحة بالسواد بحيث تصعب مقارنتها بجيرانها مهما كان شكل الحراك لديهم، ومهما كانت النتائج التي حصدوها في ما بعد. إنه أمر محزن للغاية يا صديقي، هذا ما قلته للشاب السوري الذي كان يهمّ بحمل حقيبته معلناً انتهاء ساعات الانتظار المفروضة، فأجابني بصوت تعلوه نبرة بائسة: “ما يحزنني أكثر أنني نجوت من رحى الصراع المسلح وشهدت عودة الهدوء إلى كثير من أرجاء البلاد، وأجد نفسي مضطراً اليوم إلى السفر، ليس هرباً من الموت الذي فرضه علينا الإرهاب، بل بسبب العقوبات التي تفرضها علينا الدول المتمدنة والمتحضرة التي تخنق اقتصادنا وتجعل مجرد العيش الكريم بالنسبة إلينا حلماً يُرتجى، وهم أنفسهم من كانوا ينادون بحقوق السوريين وحمايتهم!!”. انتهى الحديث لكن لم تنته الأفكار التي حفزها لدي، بقيت بعدما أخذت مكاني المخصص في الطائرة، أستعيد بعضاً من أحاديث ذلك الحوار الشيق المليء بمختلف المشاعر التي تحفر عميقاً في الوجدان الإنساني. بإمكاني ومن دون مبالغة أن أطلق على هذه الساعة لقب (قمة عربية شبابية) بامتياز، وما أفقر بلداننا الى مثل هذه المبادرات تنظمها مؤسسات ترعى الشباب وأحلامهم، وما أحوجنا في المقابل إلى مستويات عليا من التنظيمات المدنية لرفع مستوى الثقافة السياسية بين مختلف أطياف المجتمعات العربية، وبناء ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر، بما ينقل الحراك الشبابي من المجال الثوري القابل للاستغلال وللتدخل الخارجي، إلى مستوى الحراك الاجتماعي البناء والقادر على إحداث التغييرات التي تناسب شبابنا العربي وطموحاته. لا يملك الشباب الحالي في الوطن العربي من وسائل وأساليب للمقاومة والتغيير سوى أصواتهم وشعاراتهم، يلقونها في الشوارع أو على منصات التواصل الاجتماعي، لذا صار من اللازم على الحكومات العربية التعامل مع هذا الغليان الشبابي بطريقة عصرية مختلفة عن المراحل السابقة التي شهدت طيفاً واسعاً من العنف والقسوة، وتأمين منابر حقيقية ذات مساحات واسعة للتعبير عن تطلعات هؤلاء الشباب في بناء الأوطان والمشاركة في صنع مستقبله، فالشباب، لطالما كان النسغ الأساسي لعملية بناء المجتمع والوطن. مضت الرحلة.. وظلَّت تتردد في ذهني أبيات الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي:إِذا أَنا أَكبَرتُ شَأنَ الشَبابِفَإِنَّ الشَبابَ أَبو المُعجِزاتحُصونُ البِلاد وَأَسوارُهاإِذا نامَ حُرّاسُها وَالحُماةغَدٌ لَهُم وَغَدٌ فيهِمفَيا أَمسُ فاخِر بِما هُوَ آت