البنتاغون وكذبة “الجيش السوري الجديد” .. عندما يحلق الداعشيون لحاهم

1

 
 
بقلم : فراس عزيز ديب
 
 
 
أكد وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أن الردّ الأميركي على دور إيران المزعزِع للاستقرار في الشرق الأوسط، كما أسماه، لن يتعدى الإطار الدبلوماسي، وكلام ماتيس تزامنَ مع تأكيدِ المندوبةِ الأميركية في مجلس الأمن «نيكي هيل» أن الأدلة على منشأ الصاروخ الإيراني الذي أطلقه الحوثيون على الرياض لا يمكن إخفاؤها، هيل التي اختارت الكلام وخلفها بقايا حطام الصاروخ جددت الأمل عند بعض الرؤوس الحامية في المنطقة، بأن تكونَ هذه الصورة تكراراً لما فعله وزير الخارجية الأميركي الأسبق «كولن باول»، عندما أخرج قارورته الشهيرة التي ادعى أنها تحوي سائلاً ساماً ينتجه النظام العراقي السابق في محض تبريره لغزو العراق واحتلاله، إلا أن أحلامهم لم يبعثرها فقط كلام وزير الدفاع الأميركي، لكنها تبعثرت كذلك الأمر عبر كلمة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في مجلس الأمن، عندما شدد على أن الحل الدبلوماسي له أولوية فيما يتعلق بالملف الكوري الشمالي، وإذا كانت الولايات المتحدة قد جنحت للسلم في الملف الأخطر والأشد أهمية بالنسبةِ لها، فهي حكماً ستسير مكرهةً على المسار نفسه في الملف الإيراني.
 
واقعياً؛ يبدو كلام قطبي الخارجية والدفاع الأميركيين الذي يميل نحو التهدئة تجسيداً لسعيهما لإنزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الشجرة، تحديداً أن الأخير كان لا يوفر فرصةً ما لرفعِ سقف التهديدات العسكرية ضد الكوريين والإيرانيين، بل إن كلام تيلرسون ما هو إلا استكمال للرضوخ الأميركي نحو الحل الدبلوماسي، وهذا الأمر بدأ أساساً عندما اختارت الأمم المتحدة جيفري فلتمان كمبعوثٍ خاص لها لزيارة كوريا الديمقراطية، فلتمان المعروف بمنطقتنا كدبلوماسي أميركي يمثل وجه الشؤم لم يزر كوريا الديمقراطية بصفتهِ الأممية بقدر ما زارها بصفته دبلوماسياً أميركياً، لكن هذا السعي الأميركي بدأ بخطوطٍ حمراء أهمها عدم المهادنة مع الروس حتى ولو بالتصريحات الدبلوماسية، ولعل كلام تيلرسون عن تحميل الروس مسؤولية إخفاق تقدم المفاوضات في الملف الكوري الديمقراطي يؤكد هذا التوجه، أي إن واشنطن تسعى فعلياً للتهدئة في هذين الملفين لأنها تعي أنها لا تمتلك فيهما خيار القوة المباشرة، لكن هذا الكلام لا ينطبق على الملف السوري لأن الولايات المتحدة كانت ولا تزال ترى بنفسها القدرة على صفع التوجهات الروسية، فكيف ذلك؟
 
في مطلع هذا الشهر، وفي مقالٍ بعنوان «البنتاغون وإسرائيل ودي ميستورا.. عندما يكتمل مثلث نسف التسويات» قلنا إن الإستراتيجية القادمة للبنتاغون في سورية هي إعادة تطعيم بقايا داعش بميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» تمهيداً لمحاربة الجيش العربي السوري، وهذا الكلام بدأ يتجسد على أرض الواقع بعد المعلومات التي أوردها مركز المصالحة الروسي في حميميم عن قيام الولايات المتحدة بتشكيل ما يسمى «الجيش السوري الجديد» وذلك من مجموعاتٍ منشقة عن المجموعات الإرهابية في ريف الحسكة، مع تأكيده بأن نصف قوام هذه القوات حالياً هم من بقايا داعش.
 
الكلام الروسي لا يبدو في إطار الاتهام السياسي، لكن لو وسعنا الرؤية قليلاً لرأينا ما يثبت الكلام الروسي بطريقةٍ غير مباشرة، فعلى سبيل المثال بثت إحدى القنوات الرسمية الفرنسية قبل أمس تقريراً مدته نحو الساعة يتمحور حول «معتقلي داعش» لدى ميليشيا «قسد»، وكيفية التعاطي معهم لإخراجهم من الحالة المتطرفة إلى الحالة المعتدلة، التقرير لم ينس أن يمارس البروباغندا بأفضل حالاتها عندما عرض المعتقلين بعد حلق ذقونهم وهم يتلقون دروساً عن «الفكر الماركسي» و«الإسلام المعتدل»، هذا التقرير لقناةٍ فرنسية لم يكن الأول فسبقه الكثير من التقارير التي روجت لدور التحالف في تحرير الرقة، لكنه قد يكون الأول الذي تحدث فيه قادة الميليشيا عن إعادة تأهيل هؤلاء الإرهابيين تمهيداً لزجهم في المعارك، وإن كان السؤال المنطقي هنا عن أي معارك يتحدثون، فإن الجواب لدى ما أكده الروس، أي أن الأميركيين يعدون العدة لمرحلة ما بعد داعش، لكن هذه المرحلة لا تبدو كما يريدها الروس؟
 
وبمعنى آخر: دخل السجال الروسي الأميركي حول سورية مرحلة جديدة تبدو الأهم في هذا التوقيت، فالروسي الذي حاول من خلال إعلان الرئيس فلاديمير بوتين سحبَ قسمٍ من القوات الروسية في سورية، وضْعَ الأميركيين في الزاوية لإثبات عدم شرعية وجودهم، يبدو أنه أخفق بذلك، لأن الرد الأميركي كان بعدم الاكتراث بالخطوة الروسية وتقييمها بأنها لا تعني الأميركيين؛ أي أن البنتاغون لا يبدو مستعداً للتراجع في الملف السوري بل هو يصر على مسار العرقلة لأي انجازٍ سوري بخطين متوازيين: الخط الأول مرتبط بالشأن العسكري وتقزيم الانجازات الروسية في محاربة الإرهاب، إذ ليس ترامب من خرج وحيداً ليسرق انتصار الجيش العربي السوري والحلفاء على داعش، بل تبعه بذلك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ويبدو الأميركي «معذوراً» في ذلك لأن الصدمة بالنسبةِ له بمثابةِ حياةٍ أو موت، وهو يرى في زيارة الرئيس بشار الأسد لموسكو وما تبعها من زيارة بوتين لدمشق، إعلان انتصارٍ، والمنهزمون ليس المستعربين، ولا الحليف التركي التائِه في تحديد التحالفات، المنهزم هي الولايات المتحدة بـ«جبروتها»، وعليه فإنهم سيتمسكون بأي قوة عسكرية حتى يتم خلط الأوراق بطريقتهم.
 
الخط الثاني متعلق بالحل السياسي، فالأميركي الذي كان ولا يزال يبيع الإعلام تصريحاتٍ مجانية عن أن الشعب السوري هو المعني بمصير الرئيس الأسد، يعرف أن طريق المصالحات الذي ابتدعه الروس باتَ أشبهَ بالنهر الجارف الذي لا يستثني أحداً، وربما يُستكمل بزلزالٍ قد يحدثهً دخول قوات الجيش العربي السوري لمدينة عفرين وريفها بعد الاتفاق مع الميليشيا المسيطرة على المنطقة، وقد لا ينتهي عند الغوطةِ الشرقية والأرقام غير المتوقعة للراغبين فيها بإلقاء السلاح والخروج من المدنيين، هذا المسار كان لابد له من حدثٍ يشوِّش عليه من الناحية الإعلامية، فكان إطلاق رصاصة الرحمة على «جنيف 8».
 
بدأ جنيف الأول في شباط 2014، وبعد ما يقارب الأربع سنوات تم تشييع «جنيف 8»، ونكاد نجزم أننا في عام 2022 سننعي معاً «جنيف 16»، والقضية ليست تنجيماً أو استباقاً للأحداث، ولكي تتضح الفكرة علينا ألا نسأل لماذا فشلت سلسلة جنيف بإحداث أي خرق، بل متى يمكن لجنيف أن يحقق المطلوب منه؟ الجواب بسيط، عندما تأتي المعارضات السورية بوفدٍ واحد لا يستثني أحداً، من تياراتٍ وأحزاب ومنصاتٍ ومستقلين داخلياً كانوا أم خارجياً، عندها فقط يمكننا انتظار نتائج من جنيف.
 
إن ذهاب المعارضين بوفدٍ موحّد يعني حكماً أن الدول الراعية لهذه المعارضات اتفقت فيما بينها، وانعكاس هذا الاتفاق سنجنيه في الحل السياسي، بمعزل عن شروط مسبقة أو سقفَ تفاوضٍ أو بيانات هنا وهناك.
 
هذا الكلام يعيه الأميركيون جيداً لذلك طلبوا إفشال «جنيف 8» قبل أن يبدأ، ليس فقط عندما أعلنت معارضة منصة الرياض بيانها الذي طرح شروطاً مسبقة، لكن عندما أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ما أسماها «ورقة المبادئ»، هو حاول بخبث أن يسحب من الوفد الرسمي السوري ذريعة الاعتراض على بيان معارضة منصة الرياض، وتحويلها للاعتراض على وثيقته لتحميل الوفد الرسمي مسؤولية إخفاق المفاوضات، ليبقى مصير الحل السوري يدور بين مطرقة معارضةٍ تابعة، ومبعوث دولي يفوقها تبعية، وسندان قواعد أميركية ستبقى، أشبه بمسمار جحا الذي يصنع إرهابيين حسب الطلب، فما هي البدائل التي تنتظرنا؟
 
عندما نتحدث عن بدائل علينا أن نتحدث على مستويين، المستوى الأول هو المستوى الدولي، ببساطة لا يوجد لدى الدولتين العظميين أي بدائل لجنيف، لأنه بالنسبةِ لهما مرحلةَ تقطيعٍ للوقت لا أكثر، هما أشبه بمتباريين يضعان السبابة على الأرض ويدوران حول نفسيهما والفائز هو من يصمد أكثر، لذلك فإن الولايات المتحدة تحتفظ بما تريده من قواعد وقوات لأنها تعي أن المعركة الأهم بالنسبةْ لها قادمة وضد الجيش العربي السوري تحديداً عندما ترى أن الروسي بدأ يشعر بـ«الدوار».
 
على المستوى المحلي إن تفعيل فكرة «مؤتمر سوتشي» يجب أن تكون هي الحل المنطقي، لكن هذه الفكرة يجب أن لا تنحصر في إطار الأحزاب والكيانات السياسية داخل سورية وخارجها، تحديداً أن بعض هذه الكيانات لا يمتلكون أي حيثية كما هو حال الأحزاب الناشئة، بل يجب أن تشمل المستقلين أيضاً لتكون البديل المنطقي، أي أننا دخلنا المرحلة التي نثبت فيها أن ما ينتظرنا يمكننا أن نصنعهُ بأيدينا، ولعل حجر الأساس لذلك تقليص المساحات التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، فماذا لو خسرت هذه المجموعات مثلاً مدينة إدلب وريفها، عندها فقط نودع جنيف إلى الأبد لنستقبل «سوتشي»، ماعدا ذلك سنبقى ندور في دوامة يفرضها الأميركي عبر مرتزقته الذين يأخذون أشكالاً مختلفة، باختصار، إن نزع مسوغات الوجود الأميركي في سورية لن يصنعهُ إلا السوريون.

التعليقات معطلة.