أثبتت الدراسات والأبحاث أن الذكاء الذهني وحده غير كافٍ للنجاحات المستقبلية، بل يجب أن يتوفر إلى جانبه الذكاء العاطفي، فهو عبارة عن قدرات ومهارات قد تكون موجودة لدى الشخص وقد تكون غير موجودة، ولكن يمكن اكتسابها وتنميتها وتدريب النفس عليها.
تتمثل أهمية الذكاء العاطفي في الصلة بين الإحساس والشخصية والاستعدادات الأخلاقية النظرية، وهؤلاء الذين يكونون أسرى الانفعال أي المفتقرون للقدرة على ضبط النفس، إنما يعانون من عجز أخلاقي فالقدرة على السيطرة على الانفعال هي أساس الإدارة وأساس الشخصية وأساس مشاعر الإيثار إنما يكمن في التعاطف مع الآخرين أي القدرة على قراءة عواطفهم، أما العجز عن الإحساس باحتياج الآخر أو بشعوره بالإحباط فمعناه عدم الاكتراث به.
كما يعد الذكاء العاطفي صفة أساسية في تكوين شخصية القائد الناجح، وذلك أن القدرة على التأثير في الآخرين هي الصفة الأهم في القيادة، فما قيمة صفة الذكاء والقدرة على التخطيط إذا لم يكن القائد قادراً على التأثير في الآخرين .
المنطلقات الأساسية لتكوين الوعي بالنفس:
أولاً: أن النفس البشرية بمكوناتها – ومنه الجانب الوجداني – مخلوقة لله تعالى: قال تعالى “ونفس وما سواها” (الشمس/7) وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقسم بقوله (والذي نفس محمد بيده) ومن هنا فعلى الإنسان توجيه عاطفته وضبط انفعالاته تجاه ربه الذي خلقه وخلق نفسه فسواها.
ثانياً: النفس البشرية لها حق على صاحبها، ومن حقها العناية بجوانبها العاطفية، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه “وإن لنفسك وأهلك عليك حظا” وأقر سلمان رضي الله عنه عندما قال لأبي الدرداء “ولنفسك عليك حقاً”.
ثالثاً: النفس البشرية تحتاج إلى مجاهدة، لكبح جماح هواها وحسن إدارة انفعالها وعدم الانسياق وراء شهواتها، روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله.
يمكن جمع معجم عاطفي في السنة النبوية.
1- الفرح: قال صلى الله عليه وسلم: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه”.
2- الحب والكراهية: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة عبد أسود يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم لعمه: ” ألا ترعى عجباً من حب مغيث لبريره ومن بغضها إياه ” .
3- التعاطف والتواد والتراحم: قال صلى الله عليه وسلم: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى”.
4- التباغض والتحاسد والتدابر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد االله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام”.
5- الغضب: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجًلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال “: لا تغضب ” فردد مراراً، قال: “لا تغضب”.
6- الرضى والسخط: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجًلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط”.
7- التفاؤل والتشاؤم: عن أنس – رضي الله عنه -أن نبي االله -صلي الله عليه وسلم -قال: “لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، الكلمة الطيبة”.
وكل ما ورد فى السنة إنما أتى لضبط الذات والعاطفة معاً ونخلص ذلك فى الآتي:
1- التنوع في التعبير: فالبغض يعبر عنه النبي- صلى الله عليه وسلم – في بعض الأحاديث بالفرك، كما في قوله- صلى الله عليه وسلم – “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كَرِه منها خلقاً رضي منها آخر”
2- الربط بين عدد من العواطف لما بينها من أثر، “تراحمهم، توادهم، تعاطفهم…”، “لا تبَاغضوا، ولا تحَاسدوا، ولا تدابروا….”.
بعد أن تعرفنا على الفصاحة العاطفية في السنة النبوية، نبين كيف قام النبي – صلى الله عليه وسلم – بتصحيح المفاهيم والألفاظ العاطفية الخاطئة التي كانت سائدة في المجتمع، وما ذلك إلا لتحقيق الوعي في الجانب الوجداني، فلذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم -يحاورهم حول هذه المفاهيم، فعن ابن مسعود– رضي الله عنه – قال: قال رسول االله- فى الإنسان القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب”.
إدارة عواطف الإنسان من الأسس التي يقوم عليها الذكاء العاطفي، لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – جعله مقياساً للقوة الشخصية، كما جاء في حديث آخر.: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
ومن ذلك أيضاً قول النبي- صلى الله عليه وسلم – “لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل لقسَت” ، سمي الحقد الباطل في الإيمان وكذب في المقال ، قبيح في العمل وخصائص محرمة ومكروهة ، وهو هادف وخبيث بمعنى واحد ، أما الرسول – صلى الله عليه وسلم – كره اسم خبيث ، فاختار لفظاً آمناً من هذا ، ومن شمسه أن يغير اسمه القبيح ، ولما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة والسلام عن الغطرسة ، اعتقد البعض أن الثوب حسن و المظهر غطرسة فصححها بمفهوم الغطرسة، وعن ابن مسعود – رضي الله عنه -عن النبي- صلى الله عليه وسلم –قال: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر” قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله، حسن ً، قال: “إن االله جميل يحب الجمال، الكِبْر بَطر الحق وغمط الناس” بل إننا نري رسول الله يغير المفهوم المادي للغنى وينقله إلى المعنى الأعمق – المعنى النفسي – فيقول : “ليس الغنى عن كَثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس”.
لتعميق الوعي بالنفس إضافة لما سبق، كان النبي- صلى الله عليه وسلم –يبين للناس وسائل التعامل العاطفي، فنراه يرسم لهم طريق تحصيل المحبة بينهم فيقول: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَ لأدلكم على شيءٍإذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”.
وذكرنا فيما سبق حثه- صلى الله عليه وسلم –على إعلام الآخرين بحبهم، وما ذلك إلا لنشر ثقافة المحبة بين الناس ويرشد النبي – صلى الله عليه وسلم –الأزواج إلى البحث الدقيق عن صفات زوجاتهم وعدم كراهيتهم بسبب خلق من الأخلاق، فلربما وجد فيها خلقاً آخر يفوق أخلاقها السيئة، مما يؤدي إلى إزالة الكره بينهما، وأدعى للألفة والمودة، فيقول: “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر”
مما سبق يظهر مدى اهتمام السنة النبوية في تحقيق الوعي العاطفي من خلال الألفاظ والتعابير المستخدمة في ذلك، وتصحيح المفاهيم الخاطئة في هذا المجال، والدعوة إلى إظهار المشاعر وعدم كبتها، وإرشاد الناس إلى الوسائل المعينة في التعامل مع العواطف، مما يحقق الهدف من الوعي بالنفس وانفعالاتها.التأصيل الشرعي لموضوع الذكاء العاطفي:، أن هذا الموضوع تناولته السنة النبوية من حيث الأُسس والتفاصيل بدرجة كبيرة، أضافت السنة النبوية لموضوع الذكاء العاطفي أبعاداً كثيرة سواء من حيث الغاية أو الدوافع أو الإجراءات.، تميزت السنة النبوية في تطبيقاتها للذكاء العاطفي بأنها “ربانية ” في غايتها ومصدرها، فالغاية تحقيق العبودية الله تعالى لأن الرضى النفسي والسعادة الحقيقي ة تكمن في ذلك، أما ربانية المصدر فالله تعالى خالق النفس البشرية فهو الذي تستمد منه هذه النفس ذكاءها العاطفي، فلذلك جاءت إجراءات عدة في تطبيقاته في السنة النبوية من خلال اللجوء إلى االله. بالدعاء، أهمية الذكاء العاطفي في حياة المسلم، من خلال وعيه بذاته وإدارته لانفعاله وتحفيز نفسه للخير، ومن خلال فهمه لمشاعر الآخرين وتعاطفه معهم، وإدارته لعلاقاته الاجتماعية، وكل ما سبق له أثر كبير في فاعلية المسلم في حياته وثقته بنفسه وزيادة دافعيته نحو النجاح والإبداع.، يمكن الإفادة من تطبيقات الذكاء العاطفي في مجالات الحياة الإنسانية كافة، ابتداء من العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة، وفي المجالات التربوية، والاقتصادية، والقيادية، انتهاء بتوظيف هذه التطبيقات في مجال الدعوة إلى الله.
زيادة الاهتمام بموضوع الذكاء العاطفي من خلال الدراسات والأبحاث المختصة، وكذلك توعية الناس بمضمونه وتطبيقاته لأنه يمس جانباً أساسياً في تكوين الإنسان، ألا وهي العاطفة، الذكاء العاطفي وتطبيقاته في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث إنه ما زالت تفاصيل كثيرة تحتاج إلى دراسة، الدعوة إلى ربط السنة النبوية بحياة الناس ربطاً مباشراً بزيادة الوعي بأهمية السنة النبوية في العلوم الإنسانية، ولا سيما علم النفس وعلم التربية لأن السنة منهج حياة.