مقالات

التحقيقات في قضية نتنياهو ومحكمة الرأي العام

ديفيد ماكوفسكي

في 13 شباط/فبراير، أوعز مسؤولو الشرطة الإسرائيلية إلى المدعي العام في البلاد بتوجيه اتهام إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في قضيتين منفصلتين بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. وفي أعقاب ذلك أصبح مستقبله السياسي على المحك. ففي إحدى القضيتين اتُّهم رئيس الوزراء بقبول هدايا بقيمة 280,000 دولار من أشخاص معيّنين مقابل تعزيز مصالحهم، في حين اتُّهم في القضية الثانية باتخاذ إجراءات لإضعاف مكانة إحدى الصحف مقابل الحصول على تغطية لصالحه في صحيفة أخرى.

ولم تمضِ دقائق على اتخاذ هذه الخطوة حتى ظهر نتنياهو على شاشة التلفزيون الوطني لدحض تلك الادعاءات، مشيراً إلى أن الشرطة متحيزة ضده ومذكّراً المشاهدين بسجلّه الطويل في الخدمة العسكرية والحكومية. وردّ النقاد عليه مجادلين بأنه يحاول إضعاف مؤسسة رئيسية لإنفاذ القانون والتقليل من أهميتها. بيد أن الخطاب يدّل على أن نتنياهو أدرك إمكانية أن يكون مصيره السياسي في يد محكمة الرأي العام حتى ولو انتهى أمر مصيره القانوني بيد المحاكم.

السياسيون والاستطلاعات

يجب على مختلف أعضاء الائتلاف الحاكم لنتنياهو، ومن بينهم بعض خصومه، أن يقرروا الآن ما بين البقاء في الحكومة أو الانسحاب منها. وبما أن السياسيين يراقبون عن كثب استطلاعات الرأي، فقد يصبح لطريقة تعامل الشعب مع خطورة الادعاءات أهميةٌ كبرى. ومن غير الواضح ما إذا كان الرأي العام الإسرائيلي سيتأثر فيما يخص التصريح الذي صدر يوم الثلاثاء المنصرم حول قضيتين عالقتين أخرتين مرتبطتين بنتنياهو. ولكن في الوقت الراهن، تقول الشرطة أن رئيس الوزراء ليس هدفاً رسمياً لتحقيقاتها في القضية التي تنطوي على أكبر ربح مادي وعلى اتهامات بالفساد ترتبط بدور صهره المحامي في الصفقة الحكومية لشراء غواصات ألمانية بقيمة تصل إلى 2,5 مليار دولار.

ويقول أبرز زملاء نتنياهو وخصومه – بمن فيهم وزير المالية موشيه كحلون ووزير التعليم نفتالي بينيت – إنهم لن يتخذوا أي موقف بشأن هذا الموضوع إلى أن يقرر المدعي العام أفيشاي مندلبليت ما إذا كان سيوجه الاتهام إلى نتنياهو أم لا. وقد أثارت هذه التصريحات الملتبسة تكهنات بأن الزعماء السياسيين ينتظرون ردّ فعل الشعب [قبل التصرف]، على الرغم من أن بينيت وبّخ نتنياهو في وقت لاحق لأخذه هدايا من مليارديرات أمريكيين.

وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها كاتب هذا المقال إلى إسرائيل، اتضح له أن الشركاء السياسييين لنتنياهو كانوا يخططون بعناية لهذا الموقف وسط ترقب واسع النطاق لصدور توصية سلبية من الشرطة. فقد أقرّ أحد كبار المستشارين بأن الوزير كحلون الذي لا يتوانَ عن التعبير عن تأييده لحكومة نظيفة، هو المناصر الأكثر تقلبّاً لرئيس الوزراء. ويشار إلى أن كحلون يرأس 10 أعضاء من أصل 67 عضواً في ائتلاف نتنياهو الذي يسيطر على البرلمان المؤلف من 120 عضواً بهامشٍ ضئيل. ووفقاً لهذا المستشار تعهّد الوزير كحلون الشهر الماضي بأنه لن يُسقط الحكومة بناء على توصية الشرطة وحدها، مع أنه أصرّ على رفض إعطاء أي ضمانات بشأن الإجراء الذي سيتخذه إذا مال المدعي العام مندلبليت نحو قرار الإتهام. ولا يمكن الاستخفاف بهذا التردد نظراً إلى الرغبة المعروفة لكحلون في بقاء الحكومة حتى انتهاء ولايتها، مما يمنحه الوقت الكافي للوفاء بتعهده خلال الحملة الانتخابية عام 2015، وهو خفض أسعار الشقق للعائلات الشابة.

الجداول الزمنية القانونية والسياسية

ينص القانون الإسرائيلي على أنه يحق لنتنياهو طلب جلسة استماع في محكمة إذا قدّم مندلبليت توصية أولية بتوجيه الاتهام إليه في أي من القضيتين، حيث لا تصبح لائحة الاتهام نهائية إلا بعد جلسة الاستماع المذكورة. ويرى المستشار السياسي لرئيس الوزراء وغيره من المقربين إلى نتنياهو أنه ربما سيضطر هذا الأخير إلى التنحّي إذا لم تجرِ تلك الجلسة في ما يصب في مصلحته. ومع ذلك، من الواضح أن فريق نتنياهو يعتمد على الواقع بأن العملية برمتها قد تستغرق ما يقرب من عام – وهي المدة نفسها المتبقية من ولاية الحكومة قبل مواجهتها الانتخابات الإلزامية [وفقاً للقانون].

غير أن رد الفعل السلبي من الرأي العام قد يسرّع هذه العملية. فقد قال يوعاز هندل، كاتب عمود كان يعمل ذات مرة لدى نتنياهو، إن الشعب لن يسمح لمندلبليت بتأخير هاتين القضيتين نظراً لاهتمامه المتزايد بهذه المسألة.

كما أن الرأي العام قد يؤثر على حسابات نتنياهو أيضاً. فقد أعرب في التصريح الذي ألقاه في 13 شباط/فبراير أنه سيواصل تأدية مهامه “بإخلاص ومسؤولية”، ولكن إذا كان مستشاروه يعتبرون أن الشعب يدعمه إلى حدٍّ كبير، فلن يستبعد فكرة استباق لوائح الاتهام المحتملة عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة لاستعراض قوته السياسية أمام المؤسسة القانونية. ومن وجهة نظرهم، لا تزال هناك “منطقة رمادية” حول ما إذا كانت الهدايا المزعومة بقيمة 280,000 دولار قد أثرت فعلاً على قرارات نتنياهو، ولذلك فهم يأملون بأن يؤثّر هذا الالتباس على مندلبليت، الذي كان مساعد أقدم سابق لرئيس رئيس الوزراء. ولكن قد يكون هذا النوع من الحسابات السياسية مجرد محاولات يائسة لإنقاذ الوضع.

ولكن الواضح هو أن نتنياهو هو الصامد الأكبر في معترك السياسة الإسرائيلية. وإذا بقي في السلطة حتى العام المقبل، سوف يصبح الزعيم ذو الحكم الأطول في تاريخ البلاد. وقد يعول على التصور الواسع الانتشار بأنه لم يختر بعد خلفاً له، لاسيما وأنه تخاصم مع العديد من كبار المسؤولين في السنوات الأخيرة، من بينهم جدعون سعر وموشيه يعلون. ويبدو انه مصمم على الاستمرار حتى إذا اكتسب خصومه من اليمين (بينيت) ومن اليسار (يائير لابيد وآفي غاباي) النقاط في استطلاعات الرأي على حسابه.

وفي الواقع أن حجم أي تغير في النقاط واستمراريته سيكونان محط تدقيق عن كثب من قبل السياسيين والشعب على حدٍّ سواء. وقد أظهر استطلاع للرأي أجري مباشرةً بعد التوصية التي قدمتها الشرطة أن 48 في المائة من المستطلَعين يريدون أن يستقيل نتنياهو، مما يسجل انخفاضاً ملحوظاً عن نسبة 60 في المائة من الإجابات التي سُجلت رداً على سؤال مماثل طُرح في كانون الأول/ديسمبر. وقد يواسي هذا الانخفاض نتنياهو، إلا أن استطلاعات الرأي الفورية غالباً ما تفتقر إلى الموثوقية. وحتى إذا كان هذا الاستطلاع الأخير دقيقاً، فإن نسبة 48 في المائة تبقى نسبة مرتفعة.

سابقة أولمرت

يبدو أن نتنياهو يعتمد أيضاً على واقع غياب أي نص قانوني صريح يفرض على رئيس وزراء مُتهم التخلي عن منصبه. ففي عام 1993، أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل قراراً يفرض على وزراء الحكومة التنحي اذا ما وُجهت إليهم لوائح اتهام. ولكن الوضع أكثر تعقيداً فيما يخص رئيس الوزراء، ذلك لأن استقالته تعني استقالة الحكومة بأسرها.

وتجدر الإشارة إلى أنه عندما نشأت حالة مماثلة في عام 2008 – عندما تنحّى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت وسط اتهامات بالفساد – لم يكن ذلك الأمر شرطاً قانونياً أرغمه على الاستقالة، بل كان الدور الحاسم الذي اضطلع به وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك، الذي قال إن الادعاءات تجعل من المتعذر بقاء أولمرت في منصبه حتى قبل صدور أي لوائح اتهام. ولكن لم تظهر حتى الآن أي شخصية شبيهة بباراك في الحكومة الجديدة، على الرغم من أن نتنياهو نفسه ندد بأولمرت بشدة بعد أن أوصت الشرطة باتهامه عام 2008، مصرّحاً أنه “لا يملك أي صلاحية عامة أو معنوية لتقرير مثل هذه القضايا المصيرية لدولة إسرائيل عندما تكون هناك مخاوف – ولا بد لي من القول إنها مخاوف حقيقية وليست من دون أساس – من أن يتخذ قرارات بناءً على مصلحته الشخصية في البقاء السياسي وليس على أساس المصلحة الوطنية.”

الأثر على السياسات

في أعقاب التصريح الصادر هذا الأسبوع، قد يشكك المراقبون عما إذا كانت قرارات نتنياهو بشأن قضايا الحرب والسلام ستتأثر بوضعه القانوني الشخصي. وقد اتضح أن نتنياهو مشهور طوال فترة ولايته بابتعاده عن المجازفات في مثل هذه القضايا. فمنذ توليه منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى عام 1996، تفادى إلى حدٍّ كبير استخدام القوات البرية في المعارك (مع استثناء واحد – عندما كان يخشى من قيام «حماس» بحفر أنفاق إلى داخل إسرائيل خلال حرب غزة عام 2014).

بالإضافة إلى ذلك، يختلف النظام البرلماني الإسرائيلي عن النظام الرئاسي الأمريكي كونه يمنح المؤسسة الأمنية دوراً أكثر أهمية في اتخاذ القرارات العسكرية. فعلى سبيل المثال، إذا ما تصاعد الوضع في سوريا بعد الأحداث التي وقعت في نهاية الأسبوع الماضي بين إسرائيل وإيران، فإن أي قرار رئيسي تتخذه القدس سيستدعي مشاركةً كاملة من الجيش والحكومة الإسرائيلية المصغرة، وليس من نتنياهو وحده.

أما فيما يخص التداعيات على السياسة مع الولايات المتحدة، فلا شك في أن نتنياهو سيعتمد أكثر فأكثر على قاعدته اليمينية للحفاظ على الدعم اللازم خلال هذه الفترة، مما قد يجعله أكثر عرضة للضغط على القضايا التي تهم هذه القاعدة (مثل ضم مستوطنة معالي أدوميم في الضفة الغربية بقرار أحادي الجانب). ولذلك، أصبحت فكرة إحراز تقدم في خطة السلام المحتضرة التي وضعتها إدارة ترامب مستبعدةً تماماً أكثر من السابق، لا سيما في الوقت الذي يُقاطع فيه الفلسطينيون المسؤولين الأمريكيين. ومن ناحية السياسة تجاه إيران، من المؤكد أن نتنياهو سيواصل حث الرئيس ترامب على “إصلاح” الاتفاق النووي “أو إلغائه”، على الرغم من أن التأثير الفعلي لعِظاته لا يزال غير مؤكد.