يشهد المشهد السوري تعقيدًا متزايدًا بفعل التداخلات الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب استقرار المنطقة. في هذا السياق، تبرز العلاقة المتنامية بين تركيا وإسرائيل كواحدة من أبرز عوامل التأثير السلبي، حيث يتخذ التخادم السياسي والعسكري بين الطرفين أبعادًا تهدد الأمن الإقليمي وتفاقم معاناة الشعب السوري.
تركيا وإسرائيل: مصلحة مشتركة أم أهداف متناقضة؟
منذ بداية الأزمة السورية، بدا واضحًا أن كلا من تركيا وإسرائيل تسعيان لتحقيق مكاسب استراتيجية. تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تنظر إلى الشأن السوري كفرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي، مستخدمة ورقة المعارضة المسلحة وفرض وجودها في شمال سوريا. في المقابل، تركز إسرائيل على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وباشرت باستهداف البنى التحتية للجيش السوري وتدمير اسلحته ومنظوماتة الدفاعية عبر ضربات جوية متكررة.
رغم تباين الأهداف المعلنة، إلا أن هناك قواسم مشتركة تجمع الطرفين. فتركيا، من خلال فتح المجال الجوي أو التغاضي عن النشاطات الاستخباراتية الإسرائيلية، تساهم في تسهيل تنفيذ العمليات الإسرائيلية داخل سوريا. وفي المقابل، تستفيد تركيا من غض الطرف الإسرائيلي عن توسعها العسكري شمال سوريا وعملياتها ضد الأكراد، ما يعكس وجود تخادم ضمني بين الطرفين.
المخاطر المترتبة على التخادم
هذا التنسيق غير المعلن بين أنقرة وتل أبيب يشكل خطرًا كبيرًا على عدة مستويات:
1. تفتيت الدولة السورية: يعزز التخادم التركي الإسرائيلي من تقسيم سوريا فعليًا إلى مناطق نفوذ متناحرة، مما يقوض أي جهود لتحقيق تسوية سياسية شاملة.
2. تفاقم الأزمة الإنسانية: العمليات العسكرية التركية المستمرة في الشمال، والتي تُغض إسرائيل الطرف عنها، تزيد من معاناة المدنيين وتهجير المزيد من السكان.
3. تعميق الانقسام الدولي: يضع هذا التخادم قوى كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة في موقف معقد، حيث تحاول كل منهما الحفاظ على مصالحها دون الدخول في مواجهة مباشرة.
إعادة ترتيب الأوراق .
في ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري على الدول الإقليمية والدولية الساعية للاستقرار في سوريا اتخاذ موقف واضح من هذا التخادم. يجب تفعيل القنوات الدبلوماسية لوقف التدخلات التركية والإسرائيلية التي تزيد من تعقيد الأزمة السورية. كما يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الضغط على الطرفين لاحترام السيادة السورية والعمل على إنهاء الصراع بدلًا من استغلاله لتحقيق مكاسب ضيقة .
ان التغيير الذي حصل في سوريا على أيدي الجماعات المسلحة المتطرفة بدعم ومساعدة تركية قد أوجد حالة من عدم الاستقرار طويلة الأمد. تدخل هذه الجماعات، إلى جانب الأجندات الخارجية، أدى إلى تفتيت النسيج الاجتماعي السوري وتعقيد الصراع بشكل كبير .
الدعم التركي لبعض الفصائل المسلحة لم يكن فقط عسكرياً، بل أيضاً سياسياً واقتصادياً، مما ساهم في تحويل الصراع من ثورة شعبية سورية ضد نظام بشار إلى حرف الثورة عن توجهاتها الوطنية وادخلت البلاد في نزاع إقليمي ودولي متعدد الأبعاد. هذا الدعم، بجانب تواجد تنظيمات متطرفة، جعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي شامل .
هذه العوامل تجعل من الصعب استعادة الاستقرار في سوريا على المدى القريب، خاصة مع استمرار التدخلات الخارجية والصراعات بالوكالة. لتحقيق الاستقرار، ستكون هناك حاجة إلى حل سياسي شامل يضمن انسحاب جميع القوات الأجنبية وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية تتجاوز الانقسامات الطائفية والمصالح الإقليمية .
إن التخادم السياسي والعسكري التركي الإسرائيلي في سوريا يشكل خطرًا عظيمًا على أمن المنطقة واستقرارها. استمرار هذا النهج سيؤدي إلى تعميق الأزمات وإطالة أمد الحرب، ما يجعل من الضروري التحرك سريعًا لمواجهته عبر مسارات سياسية ودبلوماسية قادرة على وضع حد لهذه التدخلات وإعادة بناء سوريا كدولة موحدة ومستقرة .