التراجع الأميركي عن ضرب إيران لمصلحة ترامب

1

 
 
 
إن إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية لطائرة الدرون الأميركية، والتي تعتبر واحدة من أفضل أربع طائرات يمتلكها الأسطول العسكري الأميركي، كان بمثابة اختبار كاشف لشعارات الرئيس ترامب التي رفعها بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية والتي كان على رأسها شعار “أميركا أولا”، إذ من الواضح أن الرجل عندما وضع في اختبار حقيقي ما بين الحفاظ على هيبة ومكانة الولايات المتحدة كدولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط، وما بين الحفاظ على فرص إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية، اختار الرجل الخيار الثاني بالرغم من نصائح مستشاريه بتوجيه ضربة عسكرية ولو محدودة للجمهورية الإسلامية، إلا أن تأثير ذلك السلبي عليه شخصيا واحتمالات تورط الولايات المتحدة في حرب طويلة الأمد مع إيران التي تختلف عن غيرها من الدول العربية كقوة عسكرية يحسب لها حساب كبير في المنطقة، اختار ترامب التراجع زاعما أن الضربة الموجهة لمواقع إيرانية قد تتسبب في مقتل ما يقرب من مئة وخمسين شخصا، وأنه بذلك قد تحول من مسعر حرب إلى حمامة سلام كما أطلق على نفسه.
إن تقييم التوتر الذي تشهده منطقة الخليج، والصراع المشتعل ما بين الولايات المتحدة وإيران، والذي أشعل فتيله الرئيس ترامب عندما شدد الحصار الاقتصادي على إيران عقب انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقع عليه سلفه الرئيس باراك أوباما، يدفعنا لأن نعترف بأن إيران نجحت في اختبار القوة الذي وضعتها فيه الإدارة الأميركية، ليس هذا فحسب، بل ونجحت في توصيل رسائل حقيقية ومباشرة إلى الولايات المتحدة بأنها ليست فريسة سهلة، ولن تصمت إزاء التهديدات الوجودية لها ولمكانتها في منطقة الشرق الأوسط.
وقد دفع ذلك بالإدارة الأميركية المتغطرسة لأن توجه رسائل غير مباشرة للنظام الإيراني بأنها لا تريد للأزمة أن تتفاقم، ليس هذا فحسب، بل وأن يصرح الرئيس ترامب شخصيا بأنه يريد أن تعود إيران دولة ثرية وقوية ولكن بشرط أن تتخلى عن برنامجها النووي والبالستي، وهي تصريحات بها الكثير من التناقض؛ لأن هذا ما كانت تفعله إيران بموجب اتفاقها السابق مع الرئيس أوباما ودول الاتحاد الأوروبي التي كانت تثني على هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد عشر سنوات أو أكثر من المباحثات.
ويعني ذلك أن ترامب إنما يحاول أن يبني مجدا شخصيا له من خلال القضاء نهائيا على البرنامج النووي الإيراني دون أي مقابل تدفعه الولايات المتحدة ولا حلفاؤها في المنطقة وخارجها، ولكن يبدو أن الرجل لم يكن يحسب أي حساب لردود الفعل الإيرانية، ما جعله يتمادى في تشديد الحصار المفروض عليها، للدرجة التي تستفز النظام الإيراني وتجعله لا يصمت إزاء التهديدات الأميركية المباشرة لوجوده، ليس هذا فحسب، بل وتجعله يرفض حتى مجرد تبادل الرسائل مع الولايات المتحدة.
ولا يعد رفض المرشد الإيراني القاطع لتبادل الرسائل مع الإدارة الأميركية ـ حسب تقرير منشور على موقع بي بي سي عربي بعنوان “بحر عمان: هل تصنع التفجيرات الأخيرة قوائم طاولة مفاوضات بين أميركا وإيران؟” ـ مجرد مناورة تكتيكية هدفها رفع سقف المطالب الإيرانية وحسب، بل هو تعبير شديد اللهجة عن رفض المنطلقات الأميركية في أصل فكرة التفاوض، فما تريده طهران هو أن تغير الولايات المتحدة منطلقاتها في طرح الحوار، وبالتالي بناء طاولة مفاوضات على أسس مختلفة.
وهو ما يتوقع أن يحدث خلال الفترة المقبلة، لأنه في حال لم يتم وضع حد للتصعيد المتبادل ما بين إيران والولايات المتحدة، ولجأت الإدارة الأميركية لفرض المزيد من الضغوط والعقوبات على طهران، فإن المتوقع زيادة التوترات والتي قد تصل لصدامات غير متوقعة بين الطرفين، وهو ما لا يريده الرئيس الأميركي الذي يسعى لتهدئة الأجواء من أجل كسب الرأي العام الأميركي في صالحه قبيل الانتخابات الرئاسية.
 
د. أسامة نورالدين
كاتب وباحث علاقات دولية

التعليقات معطلة.