التصحر يغزو إقليم كردستان العراق… والجفاف يهجّر المزارعين

1

10-07-2022 | 06:15 المصدر: النهار العربي

رستم محمود

تراجع تدفق المياه في إقليم كردستان

تراجع تدفق المياه في إقليم كردستان

A+A-بإعلان السلطات المحلية في إقليم كردستان العراق تصحّر العديد من المناطق فيه، خصوصاً تلك الواقعة في الجنوب الشرقي في منطقة كرميان بمحافظة السليمانية، يكون الإقليم قد أصيب أيضاً بالمشكلة البيئية الكبرى التي تواجه العراق، بسبب السياسات البيئية – الإقليمية، والاستراتيجيات الزراعية التي اتخذتها مختلف الحكومات العراقية، والتي همّشت القطاعين البيئي والزراعي تماماً، كما يُؤكد مراقبون كثر. وقد خلص آخر تقرير للأمم المتحدة إلى أن المشكلة البيئية تمثل التحدي الأكثر صعوبة وحزماً أمام الأمن القومي العراقي، وأنها ستكون العامل الأكثر إثارة للقلاقل والصراعات البينية داخل العراق خلال العقود المقبلة. كانت كردستان تقليدياً واحدة من أكثر مناطق العراق خصوبة ووفرة بالمياه، المطرية والنهرية والجوفية على حد سواء، إذ كانت الأدبيات الاقتصادية العراقية تسميها بـ”سلة غذاء العراق”، وذلك لأن غالبية سكانها كانوا من “القرويين المنتجين”، ويؤدون دوراً فاعلاً في تنشيط دورة الحياة البيئية، لا سيما من خلال التشجير المستمر ورعاية المواشي. وفق الأرقام الرسمية، فإن مُعدل الهطول المطري في المناطق السهلية من الإقليم كان خلال العقود الماضية يراوح بين 700- 1100 ملم في العام، لكنه تراجع راهناً ليكون فقط 400 – 700 ملم فقط. هذا المؤشر يهدد بإحداث تحولات نوعية في الغطاء الزراعي وطبيعة التربة ونوعية الثروة الحيوانية في تلك المناطق. كذلك تشير الأرقام ذاتها إلى تراجع مريع في كميات المياه المتدفقة من دول الجوار إلى داخل إقليم كردستان، بعضها وصل إلى حد الانقطاع التام. فأنهار الخابور والزابان الكبير والصغير وسيروان وأوي سبي، كانت تمنح الإقليم ما يزيد على 30 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، لم تعد توفر حتى نصف تلك الكمية، وخصوصاً أن المياه الجوفية المحلية في الإقليم لا تستطيع أن توفر إلا 8 مليارات متر مكعب فقط من المياه. تحوّلات بيئيةووفق ما يشرح البروفسور في العلوم الجغرافية عطا بشدري في حديث لـ”النهار العربي”، فإن بيئة إقليم كردستان، أو أية بيئة طبيعية أخرى، لا يمكنها الصمود أمام التحولات البيئة الرهيبة التي يشهدها العالم، وخصوصاً أن العراق بعمومه، وضمنه الإقليم، يتطلب شروطاً بيئية خاصة، متأتية من طبيعة سياسية وأخرى اقتصادية. يقول بشدري: “كانت كردستان جغرافياً منقسمة إلى نوعين من الأراضي، واحد جبلي، يشغل أغلب المناطق الشمالية والشرقية من الإقليم، وآخر سهلي خصب، ممتد من منطقة خانقين من حدود إيران، وحتى مناطق سنجار على الحدود السورية، ويعتمد على مئات الأنهار والسواقي المنهمرة من المناطق الجبلية. وباتباع سياسات اقتصادية ريعية معتمدة على النفط، تحطمت البيئة القروية الجبلية، وتالياً تراجع مستوى الاهتمام بالأشجار والحقول والمراعي”. 

 ويضيف: “بسبب الخلاف السياسي مع إيران وتركيا، تم قطع مئات الأنهار المتدفقة من البلدين نحو إقليم كردستان، وتالياً نحو السهول الخصبة. العاملان أحدثا التحول الكارثي، المتمثل بتراجع مستويات ونوعية الغطاء الأخضر في القسمين الجبلي والسهلي من الإقليم. ومن دون عمليات التشجير المنظم استراتيجياً، صارت البيئة هشة أمام غزو الصحراء”. تشهد مختلف المحاصيل الزراعية في تلك المناطق السهلية تراجعاً كمياً ونوعياً في منتجاتها الزراعية، وبالذات المواد الاستراتيجية، مثل الشعير والبقوليات والقمح، إذ تُظهر أرقام المنتجات لهذا العام أن مجموع المحاصيل كان ما دون نصف المتوقع، وتحديداً في ما يخص القمح، الذي بلغ انتاجه 340 ألف طن فقط، وهو أقل بكثير من السنوات السابقة. هجرة اضطراريةالفلاح اسماعيل جاف، وهو أحد سكان قرى منطقة كرميان، وسبق له أن عمل لسنوات طويلة ضمن الجمعيات الفلاحية، يشرح في حديث لـ”النهار العربي” كيف أن مئات الآلاف من الفلاحين اضطروا في المحصلة لترك قراهم والهجرة نحو المدن، لأن الحياة تبدو مستحيلة بعد الآن فيها، وقال: “منذ سنوات نطالب باتخاذ حزمة من الإجراءات التي تخدم عملية تثبيت التربة، عبر مشاريع زراعية استراتيجية ومدعومة. يؤسفني القول إن مثل هذه الأمور البسيطة كانت تجري في عهد النظام السابق، لكن لا شيء راهناً. فالتربة صارت جافة حتى أعماق نصف متر، وهذه من علامة استحالة الزراعة مجدداً، وليس من مشاريع لمد شبكات الري. أساساً لا يوجد مخزون مائي لأجل ذلك، أعرف عشرات القرى التي هاجر أكثر من نصف سكانها، خصوصاً الشباب”. مصدر في حكومة إقليم كردستان أوضح لـ”النهار العربي” كيف أن الجهاز الحكومي مستنفر تماماً لمواجهة هذا التحدي، مذكراً بوجود خطة عمل واضحة الملامح بالنسبة للحكومة، لكنها للأسف لن تظهر نتائج في القريب العاجل، لأن المشاريع المنفذة راهناً استراتيجية، وتحتاج لوقت طويل حتى تظهر نتائجها، كما يقول المصدر، لافتاً في المحصلة إلى أن التحدي البيئي يتجاوز أية برامج أو خطط، مهما كانت كبيرة واستراتيجية. يقول المصدر: “تعمل الحكومة راهناً على بناء القناة الإروائية في مجرى نهر الزاب الكبير، التي ستصل إلى سهل الحرير وسط الإقليم، وستحمل كمية مياه تراوح بين 10 و15 متراً مكعباً من المياه في الثانية. كذلك ثمة مشروع “جوارقورنة” الإروائي، الذي يشهد إعادة إحياء 10 آلاف هكتار من الأراضي القاحلة، إلى جانب قنوات “باجد برافا” التي تساوي تلك المساحة، لكن محافظة دهوك، ومنطقة كرميان، هما أكثر المناطق تأثراً بالتغيرات المناخية”.

التعليقات معطلة.