التضخم المرتفع يقضي على آمال المستثمرين بالسوق الأوروبية

1

كانوا يراهنون على وقف الدعم السخي من الحكومات والاتجاه إلى خفض أسعار الفائدة

خالد المنشاوي صحافي 

معدل تضخم أسعار المستهلكين يعاود الصعود إلى 3.8 في المئة في ألمانيا (أ ف ب)

لم تتمكن أوروبا من التخلص تماماً من المشكلة الكبيرة المؤلمة التي طاردت اقتصاداتها على مدى العامين الماضيين، فقد ارتفع التضخم السنوي في ألمانيا وفرنسا الاقتصادين الرائدين في الاتحاد الأوروبي خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويتوقع المحللون أن تؤكد بيانات منطقة اليورو هذا الاتجاه، وإذا حدث ذلك فسيكون أول ارتفاع في التضخم في جميع أنحاء المنطقة منذ أبريل (نيسان) الماضي.

وقد يؤدي ذلك إلى تهدئة الإثارة بين بعض المستثمرين بأن البنك المركزي الأوروبي قد يكون على وشك خفض أسعار الفائدة.

 ففي ألمانيا بلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين 3.8 في المئة خلال ديسمبر 2023، مقارنة بنحو 2.3 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفي فرنسا قفز مؤشر أسعار المستهلكين السنوي إلى مستوى 4.1 في المئة خلال ديسمبر الماضي من 3.9 في المئة خلال الشهر السابق، بحسب ما أظهرت البيانات الأولية، وفي كلتا الحالتين ساعدت أسعار الطاقة في رفع معدل التضخم الرئيس.

وتوقع اقتصاديون هذا الارتفاع جزئياً، بعد أن ألغت الحكومات الدعم السخي للأسر خلال أزمة الطاقة في عام 2022.

تسارع أسعار الطاقة والخدمات

منذ أواخر عام 2021 عندما بدأ التضخم العالمي في الارتفاع بعد انتهاء عمليات الإغلاق الوبائية، حولت الحكومات مئات المليارات من الدولارات إلى إعانات دعم تحمي الأسر والشركات من الارتفاعات الهائلة في أسعار الطاقة، وكانت هذه الارتفاعات، إلى حد كبير، مدفوعة بالحرب الروسية واسعة النطاق في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

على سبيل المثال، دفعت الحكومة الألمانية فواتير الغاز والتدفئة للأسر في ديسمبر 2022، مما أدى إلى خفض التضخم.

والآن بعد أن انتهى الدعم لمرة واحدة، وعلى رغم خفض أسعار الطاقة منذ ذلك الحين، فإنها ارتفعت في ديسمبر الماضي مقارنة بالمستويات المنخفضة بصورة مصطنعة في العام السابق.

وقال مكتب الإحصاء الفرنسي في تقرير حديث إن ارتفاع التضخم في الشهر الماضي يعود إلى “تسارع أسعار الطاقة والخدمات على مدى عام”، لكن كبير الاقتصاديين في “يو بي أس غلوبال ويلث مانغمنت” بول دونوفان، يرى أنه من المرجح أن يستمر التضخم الأساس (يستثني كلف الغذاء والطاقة المتقلبة) في الدول الـ20 التي تستخدم اليورو في التباطؤ.

أوضح في مذكرة بحثية حديثة أن “زخم التضخم لا يزال باتجاه زيادات أبطأ في الأسعار”، مضيفاً “لا يوجد دليل على الإطلاق على الأسعار الثابتة أو ارتفاع التضخم على المدى الطويل في أي من البيانات التي نشهدها في الوقت الحالي سواء في أوروبا أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، ولا تزال تفاصيل التضخم تفاجئنا في الاتجاه الهبوطي أكثر من الاتجاه الصعودي”.

من جهته توقع في وقت سابق كبير الاقتصاديين الأوروبيين في “كابيتال إيكونوميكس” أندرو كينينغهام، أن ينخفض ​​التضخم الأساس السنوي في منطقة اليورو إلى 3.3 في المئة خلال الشهر الماضي من 3.6 في المئة خلال نوفمبر الماضي، وأن يستمر في الخفض من هناك، مضيفاً “القضية الأكثر أهمية هي ما يحدث للتضخم الأساس والضغوط التضخمية الأساسية”.

هل سيتم خفض الفائدة في 2024؟

في الوقت نفسه قد يؤدي تسارع التضخم الرئيس في الاقتصادات الكبرى إلى تثبيط الإثارة بين المستثمرين بأن البنوك المركزية تستعد لخفض أسعار الفائدة في وقت مبكر من الربيع المقبل.

وأدت هذه الإثارة إلى ارتفاع سوق الأسهم منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أدى إلى ارتفاع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500″، في “وول ستريت”، ومؤشر “ستوكس 600” القياسي في أوروبا، منذ ذلك الحين بنسبة 15 في المئة و11 في المئة على التوالي.

وعادة ما تضع أسعار الفائدة المرتفعة ضغوطاً على الأسهم، إذ يميل المستثمرون إلى تفضيل السندات التي تقدم عوائد ثابتة وقابلة للمقارنة، لكن الأسهم فشلت في الانطلاق حتى الآن في عام 2024.

وانخفض مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بنسبة 1.1 في المئة، ومؤشر “ستوكس 600” بنسبة 0.4 في المئة، منذ إعادة فتح الأسواق في الثاني من يناير (كانون الثاني) الجاري.

وأثارت التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط المنتج للنفط المخاوف في شأن مسار أسعار الطاقة، وارتفع خام “برنت”، مؤشر النفط العالمي، بأكثر من ثلاثة في المئة ليغلق عند 78 دولاراً للبرميل أول من أمس الأربعاء، فيما أظهر محضر اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) في ديسمبر الماضي، أن المسؤولين كانوا حذرين في شأن إعلان النصر على التضخم، وإنهاء حملة رفع أسعار الفائدة التي استمرت عامين تقريباً.

وبينما كان سعر الفائدة الرئيس لـ”الفيدرالي” على الأرجح عند ذروته أو قربها، جاء في المحضر أن المسؤولين اعتبروا أنه “من المناسب أن تظل السياسة في موقف تقييدي لبعض الوقت حتى يتحرك التضخم بوضوح بشكل مستدام”.

وخلال الشهر الماضي، قالت عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل، إن التضخم من المرجح أن “ينتعش مرة أخرى موقتاً” جزئياً، لأن دعم الطاقة الحكومي على وشك الانتهاء، مضيفة “لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه”.

من جانبه قال الرئيس العالمي لأبحاث الاقتصاد الكلي في “آي أن جي” كارستن برزيسكي، إنه “بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي فإن إعادة تسارع التضخم هذا تعزز موقف الحفاظ على يد ثابتة للغاية وعدم التسرع في أي قرارات لخفض أسعار الفائدة”.

ولا يزال من المتوقع أن يقوم البنك المركزي بأول خفض لسعر الفائدة في يونيو (حزيران) المقبل.

التعليقات معطلة.