التعليم.. الماضي والحاضر

1

عصام محمد عبد القادر

عندما نتحدث عن التعليم سواءً أكان في صورته المنصرمة، أو صيغه الآنية؛ فإن الأمر يقوم على فلسفة رئيسة فحواها، أن بناء الإنسان يعد الشغل الشاغل، والهدف الرئيس، والغاية الكبرى، من تلك العملية القائمة على منهجية واضحة؛ إذ تعتمد على خطط معلنة، ومسار معلوم؛ لكن صورة الإعداد تتباين، في خضم متطلبات، واحتياجات، وتطلعات المجتمعات، وسوق العمل المتغير، الذي باتت التقنية جزءًا رئيسًا من مكوناته، أضف لذلك أن الإعداد يهتم بنبل الشراكة في حل المشكلات، والتصدي للقضايا المتجددة، التي تواجهها المجتمعات؛ ومن ثم تُعد العملية التعليمية برمتها، مصدرًا مهمًا للوفاء بمسيرة المعيشة، القائمة على ماهية النهضة، والتقدم، والتنمية بأشكالها المختلفة.

حديثنا الإيجابي عن التعليم في الماضي والحاضر، يشير إلى أن منظومة بناء الإنسان مهتمة دومًا بالعمل على اكساب الفرد خبرات نوعية، تضمن تفرده المهاري في مجال ما؛ ومن ثم تصبح المؤسسة التعليمية منبعًا للعطاء، المتمثل في نتاج بشري، يستطيع أن يحدث نقلات نوعية، في مجال الصناعة، والزراعة، والتجارة، وصور الاستثمار المحلي منه والمباشر، والصحة، وشتى الخدمات المعينة على العيش الكريم، وفق مبدأ جودة الحياة، والمساهمة في تعزيز الاستمرارية، والبقاء، من خلال بيئات تحقق للإنسان الأمان، والاستقرار، وتحميه من كافة المخاطر.

نظرة الإنصاف تؤكد أن صيغ التعليم في الماضي والحاضر، لا تفارق غايات غرس منظومة القيم النبيلة في وجدان الأبناء؛ فالاهتمام بهذا الأمر الجلل، يتعلق بصور السلوك الإيجابية، التي نود دومًا أن نراها ونرصدها في ممارسات، وأفعال، وأقوال فلذات الأكباد؛ لذا نشيد بكل أستاذ صاحب رسالة سامية، يزرع من خلال بوابة الأنشطة التعليمية، وبصورة مقصودة، الاتصافات القيمية في أذهان، وأفئدة، ووجدان المتعلمين؛ ليستطيع الفرد أن يكون قادرًا على التفاعل الإيجابي مع من حوله، ويتعامل مع كافة مفردات بيئته بصورة سوية.

وجه التباين بين تعليم قديم وحديث، نرصده في آليات تكوين البنى المعرفية؛ فقد اعتمد السابقون على فلسفة حقن الأذهان، بينما اتبع المحدثون والمطورون للنظم التعليمية فلسفة أخرى، تستهدف قدح الأذهان؛ ومن ثم تعد المفارقة واضحة في الغاية النبيلة، الكامنة في تهيئة إنسان قادر على اكتساب مهارات التفكير المنتج؛ فيستطيع أن ينتقى من المصادر الموثقة، ما يزيد من خبرته النوعية، ويحقق أقصى استفادة من فضاء به أوعية رقمية، باتت مفتوحة ومتاحة عبر دعم مؤسسي من الدولة، وهنا نوقن بأن حاجات، واحتياجات، ومتطلبات الأمس، لا تتناغم، ولا تتماشى مع متغيرات، ومعطيات اليوم.

تعليم الحاضر يهتم بالفروق الفردية، وما تنادي به مساقات تكافؤ الفرص التعليمية؛ حيث أضحى توظيف فرضيات، ومبادئ النظريات التعليمية، في صوب اهتمام التطبيقات التربوية المعاصرة؛ فقد دشنت العديد من الاستراتيجيات التدريسية، التي خلقت في سجايا مراحلها أدوارًا فاعلة للمتعلم؛ فصار محورًا رئيسًا في العملية التعليمية، كما تغيرت النظرة نحو التقويم وآلياته؛ فباتت تراعي صور التقدم، وفق خطى كل متعلم؛ ومن ثم تنوعت أدوات القياس، وساهمت في تحديد علاجات ناجزة، قلصت من حدة الفروق، وقضت على كثير من المشكلات التعليمية؛ كالتسرب، والفقد، والرسوب، وغيرها مما يعد سببًا في هدر الطاقات والإمكانيات.

تعددية صيغ التعليم في وقتنا الحاضر يزيد من ثمرات العطاء؛ فمن يشق عليه أمر استكمال الرحلة التعليمية في سلم ما، يجد مسارات أخرى مفتوحة أمامه، يستطيع من خلالها أن يستعيض الوقت، ويكتسب الخبرة، ويحقق الغاية، ويعدل من سلوكياته؛ ليصبح مالكًا للتفرد المهاري، الذي يبحث عنه سوق العمل، القائم على الانتقائية في اختيار منتسبيه، ناهيك عن فوائد أخرى يصعب حصرها، قد يكون منها على سبيل المثال لا الحصر، نقاء النفس، وحب الحياة، والتعايش في سلم وسلام واستقرار، وفعل الخيرات، وهجر ما لا يتناغم مع الطبيعة الإنسانية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

التعليقات معطلة.