ترجمات
شفق نيوز- ترجمة خاصة
طرح مركز “فورين بوليسي ان فوكس”، الأمريكي، الخشية من أن تؤدي خطة إعادة الانتشار الامريكية، الى “اعادة رسم الخريطة السياسية للعراق”، من دون ان تؤدي الى إرساء استقرار حقيقي، حيث رجح أن إيران قد تكون “الرابح الاكبر”، وأن اقليم كوردستان قد يميل الى تعزيز استقلاليته.
وذكر التقرير الأمريكي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن، بغداد وواشنطن وضعتا في يوليو/تموز 2025، اللمسات الاخيرة على اطار العمل للانسحاب التدريجي، حيث ستخرج القوات القتالية الأمريكية من وسط وغرب العراق بحلول ديسمبر/كانون الاول المقبل، بينما تستمر عمليات مكافحة الارهاب والتدريب من اقليم كوردستان، وذلك بعد ضغوط مستمرة من مجلس النواب العراقي والفصائل الموالية لايران، فان الجانبين احتفلا بهذه التسوية.
واشار إلى وجود نمط مألوف، مفاده ان كل تدخل أمريكي يعد بأن يكون الاخير، وكل انسحاب يفترض ان يمثل فصلا جديدا من الاعتماد على الذات في العراق، إلا أن التقرير اعتبر في المقابل ان الانقسامات الطائفية، وضعف المؤسسات، والتاثيرات الخارجية المتنافسة في العراق، لا تزال عميقة مثلما كانت دائما.
وتابع التقرير، أن “الذي تغير ليس عدم الاستقرار الاساسي، وانما من يستفيد منه”، مبينا أن “اتفاقية انسحاب أمريكية عراقية جديدة تعد بتحقيق (خروج كامل) من وسط وغرب العراق، ففي الظاهر، يبدو الامر كأنه انتصار للسيادة العراقية وخطوة نحو انهاء حروب الولايات المتحدة التي بلا نهاية، إلا ان الواقع هو انه ليس هذا ولا ذاك”.
ويوضح أن “القوات الامريكية لن تغادر العراق، وانما ستنتقل الى اقليم كوردستان، وهي المنطقة الوحيدة التي ترحب بالامريكيين، حيث ان الانسحاب سيجري من المناطق الاكثر هشاشة أمنيا”، مضيفا أن “اعادة الانتشار ستحمي ارواح الامريكيين، الا انها تغير موازين القوى داخل العراق بطرق قد تعزز نفوذ ايران في نهاية الامر”.
وبعد الاشارة إلى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يواجه ضغوطا قوية من السياسيين القوميين والفصائل المدعومة من ايران لطرد القوات الاجنبية، قال التقرير إن “تصوير الانسحاب على انه انتصار للسيادة يساعده على اظهار قوته وتحقيق مكاسب انتخابية”.
وبحسب التقرير، فإن الحسابات السياسية واضحة، حيث ان ظهور السوداني كقائد اخرج القوات الاجنبية ينال تأييدا محليا، وخصوصا بين الاوساط الشيعية التي تعتبر الوجود الامريكي احتلالا، مضيفا أن “اعادة الانتشار هذه تساعد السوداني على المواءمة بين الضغوط المتعارضة من واشنطن وطهران، إلا أن اعلان النصر وتحقيقه، أمران مختلفان تماما”.
ورأى التقرير، أن “السيادة شكلية، وليست حقيقة، حيث لا تزال فلول داعش تشن اكثر من 100 هجوم سنويا، وفقا لتقارير الامم المتحدة، بينما يقدر المسؤولون الامريكيون، أن ما بين 1500 – 3000 عنصر من التنظيم لا يزالون نشطين في انحاء العراق وسوريا، في حين ان الفصائل المسلحة لا تزال تحمل السلاح، ومتحصنة، وتتمتع بنفوذ سياسي، ولهذا فانه بالنسبة للعديد من العراقيين، فان السيادة تبدو هنا كانها انعدام للأمن”.
وبعدما قال التقرير إن مسألة التحول هذه بالنسبة الى واشنطن لا تتعلق بالاستراتيجية بقدر ما تتعلق بالبقاء، حيث كانت القواعد الامريكية في بغداد والانبار بمثابة اهداف لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة، أوضح انه من خلال نقل واشنطن لقواتها الى اربيل في كوردستان، فانها بذلك تحد من المخاطر وفي الوقت نفسه تحافظ على موطيء قدم لها.
وانطلاقا من كوردستان، بين التقرير، انه سيكون بامكان القوات الامركية الاستمرار بملاحقة تنظيم داعش والوصول الى سوريا.
وتابع أن ما يجري يمكن ان يسمى “تخفيضا في عدد القوات، او اعادة تموضع، لكنها ليست عملية انسحاب، فهي انها اعادة تموضع تحت وطأة النيران”.
وبالعودة لكوردستان، فإن التقرير بين أن “الإقليم هو الرابح الصامت، حيث ان استضافة القوات الامريكية تعزز أمن اربيل، وتقوي قدرتها التفاوضية حول عائدات النفط والخلاف الاقليمية مع بغداد، وتعزز مكانة الاقليم دوليا”.
ويستطرد “فيما يتعلق بالكورد، فان الترتيبات الجديدة تساهم في تسوية مشاكل متعددة في الوقت نفسه، فمن جهة هم سيحصلون على الحماية من التهديدات الخارجية، كما انهم سيظهرون للعالم انهم ما زالوا شريكا موثوقا به للقوى الغربية”.
وبالاضافة الى ذلك، لفت التقرير إلى أن، قرار بغداد بإخراج القوات الامريكية، سيجعل من الصعب على الحكومة المركزية انتقاد اقليم كوردستان لاستقبالها هذه القوات”، مشيرا الى انه “سيكون بمقدور حكومة الاقليم الان الادعاء انها بكل بساطة، تملأ فراغا خلقته بغداد”.
ويشير إلى أن “المفارقة الواضحة هنا، وهي انه بغداد طالبت بخروج الولايات المتحدة لاظهار سيطرتها، إلا انها بذلك ساهمت في تمكين الاقليم الاكثر اصرارا على الحفاظ على شبه الحكم الذاتي الذي لديه”، مبينا أنه “من خلال تمركز القوات الامريكية الان في اربيل، فان اقليم كوردستان يكتسب درعا في وجه تنظيم داعش والفصائل المسلحة، ويكتسب ايضا رصيدا سياسيا يمكنه ان يستفيد منه في معارك قضايا العراق الاتحادية التي لا تنتهي”.
وبحسب التقرير، فان الخطر موجود في مصير المناطق التي تخليها الولايات المتحدة، حيث اصبح وسط وجنوب العراق اكثر عرضة للخطر من اي وقت مضى، وانه برغم أن داعش لم يعد يسيطر على المدن، إلا أن خلاياه النائمة لا تزال حاصرة، مضيفا في الوقت نفسه، أن “الفصائل المدعومة من ايران، تملأ هذا الفراغ وترسخ وجودها سياسيا”.
ويرى التقرير، أن “الحقيقة المرة تتمثل في ان نقل القوات الامريكية شمالا لا يحمي الامريكيين فقط، وانما ايضا يفتح المساحة امام طهران، حيث اصبحت الفصائل المدعومة منها، اكثر حرية في تمديد نفوذها في السياسة والامن والاقتصاد، وهو ما يبقي يد طهران بشكل محكم داخل العراق”.
ولهذا، خلص التقرير الى القول انه بينما تصور واشنطن هذا على انه “انسحاب استراتيجي”، فان التأثير العملي مختلف، حيث ان سلامة الجنود الامريكيين، جاءت على حساب النفوذ في وسط وجنوب العراق، وهناك ايضا تمكين ظاهرة للكورد، وهناك تمكين خفي لايران.
واعتبر التقرير، أن الولايات المتحدة تؤمن الحماية لجنودها، لكن التداعيات طويلة المدى قد تكون حلقة اخرى من حلقات زعزعة الاستقرار.
وختم التقرير بالقول إن “بغداد تحتفي بالسيادة، وواشنطن تدعي الانتصار، والكورد يكتسبون نفوذا، وايران قد تكون الرابح الاكبر، إلا أن القصة لا تنتهي باعلان النصر”.