محمد اليامي
يصعب على المرء تقبل الذم أو فكرة النقص فيمن يعشق، ويصعب عليه أكثر الاعتراف بحقائق أو عيوب عن أو في المعشوق ظل يتجاهلها تحت سطوة فكرة أو ممارسة المثل الشهير «الحب أعمى»، والعمى في حالة «التميس» يزداد سوءاً لارتباطه بالجوع، والجوع «كافر»، والكافر غالباً لا يرى أو هو لا يبصر آيات الله في الأرض فهو أعمى بصر وبصيرة. «التميس» هو الخبز المعروف جداً في مدن وسط وشمال الحجاز، والمعروف في بقية أنحاء السعودية، وهو نوع اختلفت الروايات على مسار رحلته المقبلة من دول آسيا الوسطى واستقراره في الحجاز، وخصوصاً منطقة بخارى، ولذلك يشتهر باسم «التميس البخاري» في الحجاز، و«التميس الأفغاني» في المنطقة الوسطى. أكتب عنه لأنه على رغم عدم غيابه عن المشهد الغذائي اليومي، إلا أنه سجل حضوراً طاغياً في نقاشات الناس بعد تداول معلومات عن عدد السعرات الحرارية الكبيرة فيه، وهي معلومات تداولها الناس في أعقاب الخطوة الحكومية النوعية والمهمة في فرض كتابة السعرات الحرارية على وجبات المطاعم لتوعية الناس، وكجزء من التفاتة سعودية ملحوظة على مسببات الأمراض، ومحاولة «توفيقية» نسبة إلى الوزير اللامع توفيق الربيعة للعودة إلى أقدم وأهم شعار صحي في العالم «الوقاية خير من العلاج».
السجال لا يزال قائما بين «كبار» المشاهير في الشأن الغذائي الذين يفتون في كل شيء، والذين انقسموا إلى «فسطاطين» (أخيراً استخدمت هذه المفردة) أحدهما يقول بعظم خطر «حبة التميس» لجهة السعرات الحرارية، والآخر ينفي هذه «الصفة»، واكتفى «صغار» الخبازين بالصمت، ولا يزال الجمهور الواقع في «الوسط» بينهما يأكل هذا النوع من الخبز الجميل صباحاً ومساءً، بحيث ارتبط في عادات الناس بهذا الوقت على رغم أنه نوع من الخبز يمكن أكله ظهراً مع وجبة الغداء. المطاعم لن تلتزم كثيراً، وسترتكز على أرقام ربما تصدرها هيئة الغذاء والدواء أو غيرها أو هيئة المواصفات أو غيرهما – شخصيا لا أعرف – وهذه الأرقام ستأخذها من عينات تقدمها المطاعم ثم يمكن تغيير «المحتوى» كما يحدث في كثير من «التطبيقات» للقوانين والمشاريع التي تروم إعلان ونشر الأرقام بغض النظر عن صدقها على أرض الواقع. أصحاب مخابز «التميس» سيفعلون بالمثل، ويضعون رقماً على المدخل، لاستحالة وضع رقم السعرات على كل «حبة تميس»، وربما يكونون أكثر واقعية ويضعون صنفين رئيسيين ينضمان إلى أصناف التميس الكثيرة والشهيرة والموجودة في الحجاز وشبه النادرة في غيره من المناطق أحدهما «طبيعي» بسعراته الحرارية المرتفعة، والآخر «قياسي» وهو أيضا بسعرات مرتفعة، لكنه يرضي ضمائر من يهربون من السعرات هروبهم من السعير. بالطبع كثير من «الهذر» أعلاه لن يتم، والذي يحدث على أرض الواقع أنه لن يتطابق مخبزين اثنين في عدد السعرات، لأن كل واحد يستخدم مكونات مختلفة من السمن أو الزيت، والملح، والسكر، والخميرة، والنشا، وسيظل كل «تمّاس» محتفظا ببصمته الخاصة وعدد سعرات حرارية لن يستطيع أحد قياسه بدقة، لأن عجينة كل يوم تختلف عن الآخر، ومزاج الخباز كذلك، وبالتأكيد ذائقة «المتلقي» وهو هنا المستهلك النهائي. قصة أو قصص «التميس» جميلة ومغرية وربما اتصل الحديث عنها.