أحالت الحكومة الجزائرية على البرلمان مسودة مشروع قانون، تسلّط أقسى العقوبات على جرائم تسريب وثائق وبيانات رسمية ومعلومات ومعطيات لجهات داخلية وخارجية، في خطوة تستهدف الحدّ من التسريب المستمر للوثائق الرسمية التي تُصنّف في خانة المعطيات الحيوية والحسّاسة، وغالباً ما تُسرّب إلى معارضين في الخارج، يقومون بإعادة نشرها على المنصّات الاجتماعية، وهو ما يشكّل مؤشراً “مقلقاً” و”خطيراً” بالنسبة للسلطات العليا في البلاد. تجريم تسريب وثائق سريةفي السنوات الأخيرة، تصدّرت وثائق سرّية تخصّ مصلحة الأمن والدفاع الوطني والاقتصاد الوطني وحتى مسألة الخصوصية على الشبكات الاجتماعية، ومن أشهر القضايا التي صنعت الحدث مؤخّراً، قضية تسريب معلومات سرّية تورط فيها عدد من المسؤولين، وتتعلّق القضية وفق موقع “الشروق أون لاين” (موقع إعلامي محلي) بـ”تسريب دفتر الشروط الخاص بصفقة اقتناء الطائرات الـ15″ التي أعلنت عنها شركة الخطوط الجوية الجزائرية (شركة الطيران الجزائري) في وقت سابق. مسودة مشروع القانون الجديد للعقوبات التي سيشرع المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) في مناقشتها، نصّت على عقوبات مشدّدة في حق الأشخاص المتورطين في جرائم تسريب الوثائق والمعلومات السرّية المتعلقة بالأمن والدفاع والاقتصاد الوطني، وما يوصف بـ”الخيانة الوطنية”، التي تقتضي تسليط عقوبة السجن مدى الحياة، وهي الخطوة التي قرأها الخبير في العلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية الدكتور نور الصباح عكنوش، على أنّها “رغبة في تأمين العمل الحكومي الرسمي والحفاظ على سرّية المعلومات”. ووصف الخطوة بـ”السليمة، وخصوصاً أنّ قطاعاً عريضاً منها يمسّ بأمن المعلومة، في زمن تُعتبر هذه الأخيرة سلاحاً استراتيجياً يدخل في إطار الأمن القومي”.
المؤبّد لـ”الخونة”وأُطلق مشروع القانون الجديد الذي سيُشرع في مناقشته بدءاً من 29 كانون الثاني (يناير) الجاري، على أن تتمّ المصادقة عليه رسمياً بتاريخ 12 شباط (فبراير) المقبل، وصف “الخيانة” على أفعال تتعلّق بـ”التخابر” و”تسليم وثائق وبيانات رسمية تخصّ مسائل الأمن والدفاع” إلى جهة أجنبية. وجاء في إحدى مواد المشروع: “يُعتبر مرتكباً لجريمة الخيانة ويُعاقب بالسجن المؤبد كل جزائري يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرّية لمصلحة الأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لفائدة دولة أجنبية أو أحد عملائها”. وسلّطت المسودة عقوبات قاسية في حق المتورطين في فعل “الخيانة”، إذ يُعاقب بالسجن الموقت من 20 إلى 30 سنة، كل من يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرّية تتعلق بالأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني عبر المنصّات الاجتماعية، بقصد الإضرار بمصالح الدولة الجزائرية أو باستقرار مؤسساتها.
مسودة مشروع قانون العقوبات المطروحة على طاولة البرلمان، جاءت بعقوبات مشدّدة في حق الكتّاب والمدونين والسياسيين الذين يشكّكون في الجيش والمؤسسات الأمنية، وصنّفت ذلك في خانة “المساس بالروح المعنوية للجيش”. وتقول إحدى مواد القانون: “يعاقب بالسجن الموقت من 5 إلى 10 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى قرابة مليون دينار جزائري (نحو 7500 دولار أميركي)، كل من يساهم وقت السلم في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش الوطني الشعبي أو الأسلاك الأخرى، يكون الهدف منه الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين وهو يعلم ذلك”. مبررات لجوء الشرطة للسلاحوفي المضمار ذاته، جاء التقرير التمهيدي لمشروع قانون العقوبات، الذي حصل “النهار العربي” على نسخة منه، بمادة جديدة توضح مجالات لجوء رجال القوة العمومية إلى السلاح في المواجهات بشروط، إذ برّرت الأفعال التي قد يرتكبها رجال القوة العمومية في حالة ما إذا توصلت السلطة القضائية إلى وجود حالة دفاع مشروط عن النفس. واقترحت لجنة الشؤون القانونية والحرّيات في الغرفة الأولى للبرلمان، إدراج مادة جديدة لتكريس الحماية القانونية لأفراد القوة العمومية، إثر ارتكابهم أفعالاً أثناء أو بمناسبة أداء مهامهم لوضع حدّ للجريمة، وتثبت تحقيقات السلطة القضائية مشروعيتها، ولذلك تُصاغ المادة 149 مكرّر 24: “تعدّ مبرّرة الأفعال التي يرتكبها أفراد القوة العمومية أثناء أو بمناسبة ممارسة مهامهم لوضع حدّ للجريمة، إذا أفضت التحقيقات التي تباشرها السلطة القضائية إلى إثبات قيام عناصر الدفاع المشروع”.
وفي محاولة منها لتعزيز الحماية للمسيّرين والموظفين الإداريين الرسميين والمستثمرين والدفع بعجلة التنمية المستدامة، وخصوصاً أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمر مراراً وتكراراً وزير العدل بتسريع وتيرة استكمال صوغ النصوص القانونية الخاصة برفع التجريم عن أفعال التسيير. وفي إطار تحرير روح المبادرة، لا سيما في القطاع الاقتصادي العمومي، وخلق أحسن الظروف لتنشيط الاقتصاد الوطني، يقترح التقرير التمهيدي لمشروع قانون العقوبات مراجعة الأحكام المتعلقة بالجريمة المنصوص عليها في المادة 119 مكرّر من قانون العقوبات، من من خلال إدراج عناصر موضوعية وعقلانية تسمح للقاضي بتقدير المسؤولية الجزائية للمسير، اعتماداً على عناصر موضوعية تتمثل في خرق القوانين والتنظيمات وقواعد التسيير. ويهدف النص إلى تجريم عرقلة الاستثمار بسوء نية، وتمّ تقرير عقوبات صارمة لها، قد تصل إلى الحبس 12 سنة، إذا ارتُكبت الجريمة بغرض المساس بالاقتصاد الوطني وسهّلت وظيفة الفاعل ارتكابها. ورافع قانونيون سابقاً لصالح مسعى رفع التجريم عن أعمال التسيير والتمييز بين الأخطاء المرتكبة عن قصد أو غير قصد، على أن يكون هذا الأمر وفق ضوابط وآليات قانونية تجنّب الوقوع في الفساد وهدر المال العام.