شهدت البعثات الدبلوماسية الجزائرية خلال الأيام الأخيرة سلسلة من التغييرات الاضطرارية وخصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي، ما فسّره مراقبون بأن الرئيس عبد المجيد تبون يضخ دماءً جديدة لإعادة تفعيل الجهاز الدبلوماسي، وخصوصاً في ظل الرهانات والتحديات القائمة بالنسبة إلى الأمن الإقليمي والدولي.
وكشف بيان للخارجية الجزائرية “إجراء الرئيس تبون حركة جزئية في السلك الدبلوماسي تضمنت 28 سفيراً وستة قناصل”، مضيفاً أن “هذه التعيينات تستهدف تفعيل الجهاز الدبلوماسي وتحسين أداء العمل الدبلوماسي في ظل الرهانات الحالية، وضمان رعاية أمثل للجاليات، على أن تصبح التعيينات سارية بمجرد إتمام الإجراءات التنظيمية المطلوبة”. خطوة ضرورية وبحسب تسريبات إعلامية، فإن التغييرات شملت بخاصة مصر وسفراء الجزائر في منطقة الساحل الأفريقي، إذ جرى تعيين سفير جديد إلى مالي بعدما انزلقت العلاقات بين البلدين نحو أزمة دبلوماسية حادة. وقد عُين السفير الحالي في البيرو كمال رتيب، سفيراً مفوضاً فوق العادة في عاصمة مالي باماكو.
وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف. “تغييرات كهذه هي أمر طبيعي” بالنسبة إلى كشوط عبد الرفيق، الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيى جيجل. ويقول عبد الرفيق لـ”النهار العربي”: “لا شك في أن المناطق التي شملها التغيير هي مناطق حساسة تحتاج لعمل أكثر جدية وأكثر فعالية، وخصوصاً أنها على تماس مباشر مع قضايا مصيرية تمثل أبعاداً جيواستراتيجية في أجندة السياسة الخارجية للدولة. وبالنظر إلى الأداء الخجول فيها والذي لا يخدم طموح السياسة الخارجية، فقد كان من الضروري تغيير القائمين عليها بقصد إعطاء دفع جديد يتلاءم مع ما يريده صانع القرار على مستوى هرم السلطة”. وتضاف إلى ذلك بحسب عبد الرفيق “الأزمات الدبلوماسية مع مالي والنيجر في أعقاب تجاوز مالي اتفاق التسوية الموقع في 2015، وهي خطوة اعتبرتها الجزائر تصرفاً أحادياً لا يخدم إطلاقاً استقرار المنطقة، أو ما كان في النيجر بسبب وساطة الجزائر التي اعترضت عليها نيامي”. دفع قوي للملفات الساخنة واللافت وفق عبد الرفيق “أن أغلب السفراء لم يمض على تعيينهم الوقت الطويل، وهذا دلالة على عدم الرضا على أداء هؤلاء السفراء، وذلك بالنظر إلى أن كل هذه الدول التي عُيّن فيها سفراء جدد تحتاج إلى أداء وجهد أكبر؛ كما يُنتظر من السفراء الجدد دفعٌ قويّ للكثير من الملفات الساخنة ذات الأهمية البالغة في توجهات السياسة الخارجية للدولة”. وإلى النيجر إحدى أبرز الدول الأفريقية التي تتعرض لهجمات الإرهابيين، لا سيما بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، تم إيفاد أحمد سعدي الدبلوماسي الحالي في زامبيا خلفاً للسفير الحالي بن خدة مهدي. وإلى تشاد أوفدت الجزائر السفير جاوتي خلفاً للسفير جمال الدين بن عمر نعوم الذي عُيّن قبل عام فقط. وإلى بوركينا فاسو نُقل سفير الجزائر لدى الكويت نور الدين مريم بعد أقل من سنة من اعتماده. وشملت التغييرات أيضاً عدداً من السفراء في دول أفريقية أخرى على غرار كل من أوغندا ونيجيريا وإثيوبيا وزامبيا وغانا. صفحة جديدة لتعميق العلاقاتوعلى مستوى آخر، يُفسر توفيق بوستي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة قالمة، التغييرات في سفارات الجزائر في دول الساحل الأفريقي بوجود “إرادة لدى السلطات في الجزائر لطي صفحة الخلافات الدبلوماسية السابقة، فالتوجه الحالي يسير نحو تعميق العلاقات مع دول المنطقة استناداً إلى جملة التحديات الأمنية التي تشهدها، وخصوصاً نتيجة تعاظم دور العامل الخارجي، ما يهدد أمن الجزائر ودول المنطقة، وهو ما يستدعي تضافر الجهود لمواجهتها”. ويقول بوستي لـ”النهار العربي” إن “لائحة التغييرات الدبلوماسية تكشف عن تغيير كبير لسفراء الجزائر في دول الساحل ومنطقة غرب أفريقيا التي تشهد تفاعلات سياسية وأمنية متزايدة، والتي يمكن إرجاعها إلى متغيرين أساسيين، الأول تداعيات الأزمة الدبلوماسية الطارئة بين الجزائر وبعض دول المنطقة، ونقصد بها دول الساحل الأفريقي كمالي والنيجر، في مقابل تطوّر باتجاه تصاعدي لعلاقات الجزائر مع دول غرب أفريقيا ووسطها، في ظل مسعى جزائري إلى التمركز السياسي والاقتصادي في المنطقة”. والمثير للانتباه، يتابع، “تركيز اختيار السفراء على الذين يتمتعون بالخبرة وممن عملوا في المنطقة سابقاً، وهو ما يعكس قلق السلطات الجزائرية من حجم التحديات الأمنية المتعددة والقابلة للانتشار في دول المنطقة نظراً إلى ما تعانيه تلك الدول من هشاشة أمنية واقتصادية واضطراب سياسي وأمني”. دوافع اقتصادية ويمكن تفسير الحركة الدبلوماسية للجزائر في دول غرب أفريقيا من منظور اقتصادي، بحسب بوستي الذي يشير إلى أن “الدولة الجزائرية تسعى لفتح مسارات جديدة لتدفق سلعها إلى دول منطقة غرب أفريقيا، بخاصة مع قرب انتهاء الطريق الصحراوي ودخول شركة سوناطراك للعمل في المنطقة في ظل مشروع أنبوب الغاز (نيجيريا – النيجر – الجزائر) الذي يعبر إلى أوروبا، وهو خط تسعى الجزائر إلى إقناع أبوجا بإنجازه، في ظل منافسة من جانب المغرب الذي يسعى للحصول على المشروع”.