الجزائر تقتحم مناطق التبادل الحرّ مع إفريقيا… أيّ مكاسب لاقتصاد البلاد؟

1

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مستقبلاً نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

قبل أيام، شهدت محافظة تندوف الجزائرية افتتاح أول منطقة تجارية حرّة بين الجزائر مع موريتانيا، بإشراف من الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ومن المرتقب أن تُدشن مناطق جديدة مع خمس دول إفريقية مجاورة، بهدف تعزيز المبادلات التجارية معها، فما هي المكاسب التي سيجنيها الاقتصاد الجزائري من هذه المشاريع؟ وزير التجارة وترقية الصادرات الجزائري الطيب زيتوني، كان قد أعلن سابقاً أنّ “المنطقة الحرّة المسمّاة بالمقار بمحافظة تندوف ستكون بوابة نحو إفريقيا”، وهي واحدة من أصل خمس مناطق حرّة للتبادل التجاري التي تقرّر استحداثها في جنوب البلاد، ويتعلق الأمر بكل من تين زاوتين وتيمياوين وبرج باجي مختار والدبداب. وتُؤكّد هذه التوجّهات الاقتصادية، وفق الخبير الاقتصادي الدكتور بوشيخي بوحوص، وهو أستاذ محاضر في جامعة مستغانم الجزائرية في حديثه لـ”النهار العربي”، “عودة الجزائر إلى الساحة الإفريقية بعد عقدين كاملين من الغياب، فمناطق التبادل الحرّ كانت غائبة ومغيبة عن أجندات الحكومات المتعاقبة”. وإذا استعدنا التجارب التي خاضتها البلاد في هذا المجال، سنعثر على تجربة وحيدة أبرمتها البلاد عام 2002 مع الاتحاد الأوروبي، وهو الاتفاق الذي كبّدها خسائر تناهز 30 مليار دولار منذ عام 2005، خصوصاً بسبب عمليات التفكيك الجمركي وبقاء حركة السلع والبضائع في اتجاه واحد من أوروبا نحو الجزائر وفق أرقام غير رسمية. زيادة الإنتاجوعمّا ستقدّمه المشاريع للاقتصاد الجزائري، يقول بوحوص إنّه “يمكن اعتبار المناطق الحرّة حلاً من الحلول المنتهجة لزيادة الإنتاج والاستفادة من التخفيض في الضرائب، ففي الوقت الحالي تفضّل معظم الدول الولوج إلى هذه المناطق. والجزائر لن تحيد عن هذا النهج من أجل زيادة الإنتاج والمبادلات، وهو ما أعلنه الرئيس تبون في كلمة القاها عن بُعد خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقي (نيباد)”. 

 غير أنّ بوحوص يرى أنّ ثمة بعض الإشكالات الجوهرية التي تفرض نفسها مثل “العملة المعتمدة في الدفع”، وهنا يقترح “عدم المرور إلى الدولار واليورو، بل أن يتمّ التبادل باستعمال العملات الوطنية وبمقاربة تعادل القوة الشرائية من أجل مضاعفة حجم التبادل التجاري”. ويشير إلى أنّ “العملات الصعبة تُعتبر عملات معرقلة وكابحة للتبادل والتجارة البينية، فالأفضل حالياً الترخيص للمصدّرين في إطار التبادل الحر بتصدير المواد باستعمال العملتين المحليتين، الدينار الجزائري والأوقية، وهي الوحدة الأساسية لعملة موريتانيا”. ويعتقد النائب في البرلمان الجزائري هشام صفر، أنّ “مناطق التبادل الحر مع الدول المجاورة هي شكل من الأشكال التي يستوجب علينا تجسيدها في أرض الواقع، من أجل الإقلاع الاقتصادي المنشود، بعدما كانت غائبة عن الساحة الإفريقية وعلى كل المستويات لعقود طويلة من الزمن”. كبح جماح الوارداتويرى صفر أنّ “هذه المناطق ستعود بالنفع على الاقتصاد، فالمستثمرون الأجانب سيستفيدون من محفزات عديدة أهمها الولوج إلى أسواق جديدة متعطشة للسلع والخدمات، كما سيستفيدون من إعفاءات ضريبية، وسيُفسح لهم المجال للاستفادة من المواد الأولية الخام المتاحة في البلاد”. وإضافة إلى ذلك، يعتقد عضو لجنة المالية والميزانية في البرلمان الجزائري، أنّ “عملية إنشاء مناطق حرّة للتبادل التجاري بين الجزائر ودول إفريقية ستكبح جماح الواردات وتحفّز الصادرات من أجل إعادة بعض التوازن إلى الميزان التجاري، وخصوصاً أنّ القانون المحدّد للقواعد المنظّمة للمناطق الحرّة وضع شروطاً من أجل تطوير الصادرات وتنويعها وتخفيض فاتورة الاستيراد”. 

 وستساهم هذه المناطق الحرّة حسبما كشف صفر في حديثه لـ”النهار العربي” في “إلغاء الرسوم الجمركية على التجارة بين البلدان الإفريقية الأعضاء، وهو ما سيؤدي إلى زيادة في فرص العمل ليد عاملة شابة وسريعة التزايد”. ومن المكاسب التي ستتحقق أيضاً، يلفت المتحدث إلى تشجيع تجارة المقايضة بين المتعاملين الاقتصاديين، وهو ما سيسمح بزيادة حجم التبادلات التجارية مع الدول الإفريقية وتنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات، وبالتالي القضاء على التهريب، وهو ما أكّده سابقاً مدير العلاقات التجارية الثنائية والمكلّف ملف المناطق الحرّة على مستوى وزارة التجارة سمير دراجي، وحصر الأهداف المرجوة من إنشاء هذه المناطق في الظفر بحصص اقتصادية في السوق الإفريقية لتشجيع التبادلات التجارية من جهة والقضاء على التهريب والإجرام ومشاكل أخرى، عن طريق التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل بتكوين نشاط اقتصادي هادف. ما هي العوائق التي تحول دون تحقيق الأهداف؟يعتقد الخبير الاقتصادي والبرلماني البروفسور عبد القادر بريش أنّ “الولوج إلى الأسواق الإفريقية ليس بالأمر الهيّن”، وقال في حديث سابق لـ”النهار العربي” إنّ “الولوج إلى هذه الأسواق وتثبيت المنتجات الجزائرية فيها ليس أمراً سهلاً، وخصوصاً أنّ القارة السمراء باتت في السنوات الأخيرة ميداناً للمنافسة بين القوى الدولية الكبرى ولعهود طويلة من الزمن”. ووفق بريش، فإنّ “القوى العظمى على غرار الصين وتركيا وأميركا وروسيا ودول من الاتحاد الإفريقي، أصبحت تنظر إلى القارة السمراء على أنّها سوق المستقبل، ولذلك فالشركات الجزائرية ينتظرها عمل كبير من أجل الظفر بحصة سوقية، وهذا يتطلّب تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لتمهيد الطريق ومساعدة المتعاملين الاقتصاديين للتعرّف على الأسواق الإفريقية ومعرفة احتياجاتها”. ورافع المتحدث لصالح إيجاد قاعدة لوجستية موجّهة للتصدير والتعويل على خبرات محترفين في هذا المجال من حيث جودة المنتجات ومطابقتها لمعايير متعارف عليها، إضافة إلى ضرورة فتح خطوط جوية جديدة مع أهم عواصم القارة السمراء لتسهيل عملية التبادل التجاري وتحويل الأموال.

التعليقات معطلة.