الجزائر تواجه فوضى العشوائيات بقانون يستعيد نمط العمران التراثي

1

مدينة الجزائر.

يشكو مهندسون معماريون جزائريون من عشوائية البناء في المدن الجزائرية وتغيير هوية المدن وطرزها المعمارية التراثية. ويقول المهندس مالك زروق الذي زار كثيراً من مدن العالم، إنه يشعر بالحسرة على حال المدن الجزائرية، حيث العمران فوضوي لا تناسق فيه، مع أن البلاد تمتلك تراثاً معمارياً زاخراً. وصدر خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مرسومٌ تنفيذي في الجريدة الرسمية الجزائرية، يُحدد كيفية إعداد دفاتر التعليمات الخاصة، وهي متعلقة مباشرةً بالهوية المعمارية لكل منطقة من مناطق الجزائر، وتدفع إلى الحفاظ عليها من خلال تصميم معماري متناسق ومنسجم مع المحيط العمراني التراثي للمنطقة. قانون مرجعي لاستعادة الهوية العمرانيةرئيس مكتب المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين الجزائريين حسان مالكية قال لـ”النهار العربي” إن هذا القانون هو عصارة عمل الهيئة منذ عامين، مشيراً إلى أنه جاء “ليعالج إشكاليات الهوية المعمارية للبنايات في الجزائر، وهو إطار مرجعيّ لإبداعات المهندس المعماري وأداة للعمل من دون تقييد”، مؤكداً أن “تصاميم البنايات مهما كانت ستخضع من هنا فصاعداً للتصاميم المنسجمة مع المحيط الثقافي والطبيعي للمنطقة”. 

مالكية متحدثاً إلى “النهار العربي”. وعن سبب تدهور واجهة العمران للمدن الجزائرية عامةً، ردّ مالكية: “ليست الواجهات فقط، بل المحيط المبني عموماً. صحيح ليست كل المدن فوضوية العمران، غير أن معظمها غير خاضع لمعايير الهوية الجزائرية الضاربة في عمق التاريخ العمراني”، مشيراً إلى أن “ما عاشته الجزائر خلال العقود الثلاثة الماضية أمنياً وسياسياً أدّى إلى ما نعيشه اليوم من فوضى عمرانية لا تنسجم مع ما تملكه الجزائر من زخم عمراني ثقافي وتراثي كبير”، مؤكداً أن “طموحات السلطات التنفيذية الحالية وعلى رأسها الرئيس عبد المجيد تبون، ساهمت في صدور القانون المحدد لمعايير الهوية المعمارية الجزائرية”، الأمر الذي سيدفع إلى تغيير جذري في المنظر العام للمدن الجزائرية خلال السنوات القليلة المقبلة.
وإذ إن القوانين غير المتجسّدة ميدانياً غير قادرة على تغيير الشيء الكثير، فإن الدفع نحو التطبيق الفعلي للقانون المُلزِم بمشاريع بناء وِفق نمط معماري خارجٍ عن نطاق الهوية العمرانية المتأصّلة لكل منطقة جزائرية، يعدّ ضرورة ملحة؛ وفي هذا الخصوص قال مالكية إن “البلديات والمحافظات على المستوى الوطني مُلزمة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتنصيب اللجان المحلية للهندسة المعمارية والتعمير والمحيط المبني، وهي المخوّلة بإعداد دفاتر التعليمات المعمارية الخاصة التي تحدَّث عنها المرسوم التنفيذي الصادر في الجريدة الرسمية للدولة الجزائرية”؛ وأضاف أن “هذا القانون يُعطي المجال واسعاً للإبداع المعماري الذي نحن في حاجة ماسة إليه، بخاصة أن المهندس المعماري الجزائري معروف بإبداعاته المعمارية الفريدة والمميزة على المستوى الدولي والعربي بخاصة”.    

مدينة وادي سوف الجزائرية. وماذا عن التناقض بين ضرورة التقيّد بما تحتويه دفاتر التعليمات المعمارية أو الهوية المعمارية، والإبداع المعماري؟ رد مالكية بالقول: “لا… التقييد المُشار إليه في القانون ليس بتلك الطريقة التي تفكر بها، بل يضع المهندس المعماري في حدود ما هو محيط بمشروعه المعماري من ثقافة وتراث وطبيعة؛ القانون يُلزمك كمعماري بالالتزام بالهوية المعمارية للمنطقة من دون أن يقيّد إبداعك، مثلاً أنت لست ملزماً بتصميم عمراني مشابه أو مطابق تماماً لما هو مبني بل يطلب منك الانسجام معه والاندماج فيه فقط”.
مساكن بلا هوية… نحو قانون للطلبية الخاصّةالناظر إلى الأحياء الجزائرية، بخاصة الجديدة منها، تعتريه الدهشة من النسق غير المتجانس في البنايات، فبين مسكن ذي خمس طبقات بلا مساحة خضراء وآخر من دون طبقات وبأعمدة متصاعدة إلى الأعلى، تتجسد فوضى العمران. 

مدينة عنابة. الوضعية هذه تؤكد أن القانون المعماري الجديد قد يكون ذا فائدة جزئية إذا ما تم إلزام المواطن بالاعتماد على المهندس المعماري في إنجاز سكنه. يوسف، شاب في الأربعينات من العمر، منزله العائلي غير مكتمل، ولا يحوز حتى رخصة بناء، سألناه كيف أنجز مسكنه في أحد أحياء مدينة برج الكيفان شرق العاصمة الجزائر، فقال: “على ما أتذكر، فإن الوالد رحمه الله استأجر بنّاءً لتصميم المنزل، البنّاء لم يستطع أن يستغل القطعة الأرضية على وجه سليم فتم إنجاز المسكن بشكل شاقولي مع إلغاء ثلاثة أمتار من الخلف لعدم أهميتها بالنظر الى التصميم”. وعن سبب عدم الاعتماد على مهندس معماري في إنجاز المسكن، أكد يوسف أن النظرة العامة للمواطن الجزائري هي إلى التكلفة المالية للمهندس والتي تعد باهظة زيادة على تكلفة الإنجاز. 

قصر المشور. عن التكلفة المرتفعة لأجور المهندسين أجاب مالكية: “أولاً يجب الحديث عن القوانين الملزمة للمواطنين بعدم البناء العشوائي، والتي هي غائبة اليوم، ونسعى كهيئة وطنية للمهندسين المعماريين إلى الدفع نحو إصدارها… اشتغلنا طيلة السنوات السابقة على قانون الطلبية الخاصة الهادفة إلى تأطير مشاريع البناء للخواص، لا سيما للمواطنين، القانون موجود على مستوى الأمانة العامة للحكومة على أمل أن يصدر قريباً”، وأضاف: “هذا القانون سيُلزم المواطنين وكل الخواص بالاعتماد على المهندس المعماري في تصميم مشاريع سكنهم الخاصة، والمعماري بدوره مُلزم بما قلناه سابقاً بشأن الهوية المعمارية لأي منطقة، وبالتالي سنحصل على بنايات ومساكن منسجمة مع المحيط المبني وفق نمط تراثي ثقافي طبيعي، ما يفيد مدننا وأحياءنا ويجعلها مدناً بعمران هوياتيّ منسجم مع الثقافة والتراث الجزائريين الزاخر”. أما عن تكلفة اعتماد مهندس معماري فيؤكد مالكية أنها “بسيطة ورمزية إذا ما قارنّاها بتكلفة إنجاز المسكن في حدّ ذاته”.

التعليقات معطلة.