يختلف تقييم حصيلة السنة 2023 في الجزائر عن سابقاتها التي ركّزت فيها السلطات على استكمال البناء المؤسساتي وتجديد النظام السياسي لنفسه. فقد كانت هذه السنة دبلوماسية بامتياز، حملت الكثير من الإنجازات والإخفاقات. يمكن وصف 2023 بالعام الدبلوماسي في الجزائر. فخلال هذا العام شهدت البلاد زيارات خارجية متتالية قام بها الرئيس عبد المجيد تبون، وفوز الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي خلال الفترة الممتدة بين 2024 – 2025. أبرز الأحداث الدبلوماسية في 2023لعلّ ما لفت الانتباه خلال العام، تعزيز الخيارات الإقليمية للجزائر، والتي بدأت ملامحها تظهر منذ الزيارة الأولى من الرئيس تبون لروسيا وقبلها لتركيا وإيطاليا والبرتغال ثم الصين، بينما دخلت زيارته التي كانت مبرمجة لباريس منتصف شهر حزيران الماضي، في المجهول. وخطفت الزيارتان اللتان قام بهما تبون لكل من روسيا والصين الانتباه، نظراً إلى المدة التي استغرقتاها والأجندة التي تضمنتاها، وكانتا بذلك مؤشراً واضحاً بشأن توجّهات البلاد الإقليمية والاستراتيجية التي مالت نحو الشرق، وابتعدت نسبياً عن الشركاء التقليديين خلال هذه الفترة على غرار فرنسا وإسبانيا، التي شهدت العلاقة معهما توتراً ملحوظاً منذ 19 آذار (مارس) الماضي بعد استدعاء سفيرها في مدريد، إذ أجرت هذه الأخيرة تغييراً جذرياً في موقفها من قضية الصحراء الغربية، لتدعم علناً مشروع الحكم الذاتي المغربي. وفي حزيران (يونيو) الماضي أعلنت السلطات الجزائرية عن قرار “التعليق الفوري” لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار.
تبون في الصين. لكن هذا التشنج لم يستمر طويلاً، إذ برزت أخيراً مؤشرات توحي بإمكان إذابة الجليد بين الشريكين التجاريين المتوسطيين، أولها الإعلان عن عودة السفير الجزائري إلى منصبه في مدريد في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وتمّ اختيار الدبلوماسي الجزائري عبد الفتاح دغموم لتولّي هذا المنصب.إنجاز في الأمم المتحدةولعلّ أبرز ما لفت الانتباه خلال عام 2023، فوز الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة الممتدة بين 2024- 2025، وذلك خلال تصويت في نيويورك، حصلت بموجبه الجزائر على 184 صوتاً من مجموع أصوات 192 دولة في الجمعية العام للأمم المتحدة.
ووصفت الرئاسة الجزائرية هذا الحدث بـ”النجاح الدبلوماسي الذي يعكس بوضوح عودة الجزائر الجديدة إلى الساحة الدولية، ويؤيّد رؤية ونهج الجزائر للحفاظ على السلم والأمن في العالم على أساس التعايش السلمي، والتسوية السلمية للنزاعات، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، في إطار السياسة الخارجية للبلاد، ويلقي عليها مسؤولية خاصة في إطار النجاح الدبلوماسي كما في المساهمة في مسار صنع القرار الدولي”.إخفاقات 2023… أبرزها “البريكس”ومن الإخفاقات التي تركت بصمتها في عام 2023، تغيّب الجزائر عن قائمة الدول الست التي انضمّت لمجموعة “بريكس” رغم الدعم الكبير الذي حظيت به من الصين وروسيا وبدرجة أقل من جنوب إفريقيا. وأعاد خبراء في الاقتصاد إخفاق الجزائر إلى أسباب عدة من بينها حجم ناتجها الداخلي الخام وتنوع صادراتها ونسبة النمو، إضافة إلى الاعتبارات الجيوسياسية والاستراتيجية والديموغرافية وعدد السكان. وفي الشأن السياسي، شكّلت 2023 منعطفاً هاماً وحاسماً في تاريخ الأحزاب السياسية النافذة وشعبيتها، على غرار نهاية ولاية عبد الرزاق مقري على رأس “حركة مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي في البلاد)، بعدما قاد الحركة لولايتين متتاليتين منذ 2013، وكان مهندس عودتها إلى أحضان المعارضة بعدما بقيت سنوات في ائتلاف رئاسي داعم للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأصبح عبد العالي حساني الرئيس الخامس في تاريخ الحركة، بعدما كان يشغل منصب مسؤول التنظيم والرقمنة. مفاجأة “جبهة التحرير” وحسابات رئاسيةومن أهم الأحداث الجزائرية كذلك تزكية قيادي من الصفوف الخلفية لحزب “جبهة التحرير الوطني” في مؤتمره الحادي عشر، خلفاً للأمين العام السابق أبو الفضل بعجي، الذي كان يُعتبر في نظر الكثيرين المرشح الأوفر حظاً. وربط متابعون للمشهد السياسي في البلاد عدم تجديد الثقة بالأمين العام السابق لحزب الأغلبية في البرلمان والدفع بمرشح جديد، هو عبد الكريم بن مبارك، بالانتخابات الرئاسية المقرّرة في عام 2024، ولا يستبعد متابعون للمشهد أن يكون الحزب واجهة السلطة في هذا الاستحقاق، وخصوصاً أنّه لا يزال يحظى بحاضنة شعبية مهمّة خصوصاً في المدن الداخلية، وله دور هام في التعبئة والتجنيد.
وباستثناء هذين الحدثين، طبع الركود المشهد السياسي في البلاد، في انتظار أن توقظه الانتخابات الرئاسية المقرّرة في نهاية 2024. تبون ينهي القطيعة مع البرلمان
أنهى الرئيس تبون، في نظر متابعين للمشهد السياسي في البلاد، قطيعة استمرت لأكثر من ستة عقود مع ممثلي الشعب، وذلك بإلقائه خطاباً أمام نواب البرلمان بغرفتيه.
وجاء الخطاب مع نهاية العام الرابع من الحكم وبداية العام الأخير من الولاية الرئاسية للرئيس تبون، الذي تولّى زمام الحكم في البلاد في كانون الأول (ديسمبر) 2019. اجتماعياً… زيادات في الأجور وتضخّم محتملوعلى الصعيد الاجتماعي، سعت السلطات الجزائرية جاهدة من أجل “تحسين القدرة الشرائية للمواطنين”، إذ أعلنت الحكومة الجزائرية عن زيادات مهمّة في الأجور، سيستفيد منها قرابة 2.8 مليون عامل في الوظيفة العامة بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2024. يحدث ذلك في وقت نشر الديوان الوطني للإحصاءات، دراسة تؤكّد أنّ نسبة التضخم فاقت 9 في المئة في عام 2023، معلناً ارتفاعاً فاحشاً لأسعار كل المواد والخدمات، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بالقدرة الشرائية لملايين من أصحاب الدخلين المتوسط والمحدود. ويرجح خبراء ومتابعون للمشهد الاقتصادي في البلاد أنّ الزيادات المقرّرة في الأجور، ستتسبب في ارتفاع التضخم.