الجزائر والمغرب ونافخ الكير

2

العنود المهيري

العنود المهيري

مشردون مغاربة جراء الزلزال. (أ ف ب)

حينما اندلع الخلاف السياسي الإماراتي والسعودي والبحريني مع قطر في 2017، خلق حالة استقطاب لا يمكن إنكارها بين شريحة هائلة من المواطنين في العالم العربي، رأيناها تجرف معها المغرّدين وصانعي المحتوى والمشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلهم كتّاب مقالات الرأي والشعراء والمطربون والممثلون والمحللون السياسيون والاقتصاديون والإعلاميون والرياضيون وغيرهم. لم تلتزم الأغلبية العظمى بالحياد المفترض، بل راح الجميع يتطفل على المشهد ليؤيد أحد طرفي الخلاف على حساب الآخر.  وسرعان ما بدأنا في الخليج اكتشاف فئة أحب تلقيبهم بـ”نافخي الكير”، ومن أبرز سماتهم أنهم غير معنيين بالخلاف أساساً. يهب المرء منهم، مشحوناً بالحماسة لـ”فريقه المفضل” في الخلاف، وبالوعود ربما بتسلم ساعة “روليكس”، فيطلق إساءة عنصرية مقيتة ضد الطرف الخليجي الآخر، كأن يقول – مثلاً – إنهم أعراب كانوا قبل أقل من قرن يسكنون الخيام ويعانون الجوع. ولا يبدو أنه ينتبه في فورة انشغاله بتأجيج النيران بأن الإساءة تنطبق تماماً على الطرف الذي يدّعي الذود عنه!  ويزيد اندفاعه مع تنامي شعبيته في وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً رصيده البنكي أيضاً، فيردد الأكاذيب التي لا يصدّقها حتى المواطنون في ذلك الجانب الخليجي الذي يتظاهر بتأييده. ينشر الشائعات عن الطرف الآخر، ويدشّن الحملات الافتراضية للإضرار بمدنه السياحية الشهيرة عالمياً، ويصل حتى إلى تلفيق الصور “فوتوشوبياً”. ولأنه كان مجرد نافخ للكير، فأجزم بأنه يحن إلى أيام الخلاف الخليجي، حتى بعدما تصافح المتخاصمون، وطووا الصفحة. كان قد جاء ليذكي الحريق فحسب، حتى ولو لم يكن من متلقي ساعات “الروليكس” – والتي تبيّن لاحقاً أنها كانت مقلّدة – فهو برغبته في خلق الفوضى لن يراعي، أو يحترم، يوماً كيف أن للعديد من الإماراتيين أبناء عمومة في قطر، وكيف أن الإبل القطرية ظلت ترعى داخل السعودية، وكيف أن البحرين وقطر تشاركتا منذ قديم الزمان في كونهما محطة لـ”الطواويش”، أو تجّار اللؤلؤ. إنه لن يستوعب الخصوصية التي للجيرة، والبُعد الذي وفّرته صلات القرابة بين الشعوب.  انقضى الخلاف الخليجي إذاً، وعاد نافخ الكير إلى بطالته. ويجب ألا يُفتح له المجال المُتاح حالياً للعودة إلى ممارسة هوايته في مفاقمة ألسنة اللهب. الخصومة اليوم بين الجارتين المغرب والجزائر تستعر مرة بسبب تدخّل جبريل الرجوب، وزير الشباب والرياضة الفلسطيني، في قضية الصحراء الغربية، وتضطرم مرة أخرى في تعليقات العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي على رفض المغرب جهود الإغاثة الجزائرية.  ويُدرك نافخ الكير هنا أنه عود الثقاب وسط شعوب عاطفية سريعة الاشتعال. يدرك أن مهمته تُنجز بمجرد تغريدة، أو تدوينة، أو فيديو قصير في “تيك توك”، أو بترجمة مضللة لخبر أو مقالة في صحيفة أجنبية. والأسوأ إدراكه أن الجحيم لو استعرت – لا سمح الله – بين سكّان الجارتين شمال الأفريقيتين، فهو سيبقى في مأمن منها، ولن يطاله شررها.

 المصدر: النهار العربي

التعليقات معطلة.