علي بدوان
أزمة وكالة الـ «أونروا» المالية، أزمة سياسية مُفتعلة تقف وراءها الولايات المتحدة في شكلٍ رئيسي، فالمنظمة الدولية لا تعاني أزمة مالية بقدر محاولات إخضاعها لقرارات سياسية هدفها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقليص الخدمات المقدمة لهم. حيث تدور وراء الكواليس جهود أميركية حثيثة، ومنذ وقتٍ طويل، لإنهاء عمل الوكالة وتحويل عملها الى الدول المضيفة، لكن الأمر بات الآن على نارٍ ساخنة بعد الفجاجة الصارخة في سياسات الرئيس ترامب وانحيازه الى المواقف الإسرائيلية ومحاولة إدارته تمرير «صفقة القرن» التي تمس بالصميم قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقّهم بالعودة.
وفي سياق تلك الجهود، أعلن عضو مجلس النواب الأميركي داغ لمبورن عن الحزب الجمهوري، أنه يسعى الى سن قانون جديد يعتبر عدد اللاجئين الفلسطينيين أربعين ألفاً فقط، وبالتالي خفض الدعم الأميركي للوكالة من طريق حصر تعريف اللاجئ الفلسطيني بمن تشرد خلال النكبة فقط، ومن بقي منهم على قيد الحياة، واستثناء نسلهم. وكشف بعض المصادر الموثوقة أنَّ صهر الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنر يعمل على إلغاء وضعية مليوني لاجئ فلسطيني في الأمم المتحدة لإسقاط قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات وإلغاء وكالة «الأونروا»، معتبراً أن الوكالة «تديم الستاتيكو القائم ولا تساعد في عملية السلام». وكشفت المصادر إياها مدى عداء كوشنر للوكالة، فقد ورد في إحدى رسائله إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض ومبعوث السلام في الشرق الأوسط، غرينبلات، أن «من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا».
سجلات الوكالة تُقرّ بأن أعداد اللاجئين الفلسطينيين الأصليين وأبنائهم وأحفادهم في العالم هو خمسة ملايين ومئتا ألف لاجئ، فيما يقول داغ لمبورن عضو مجلس النواب الأميركي وبكل فجاجة، «أن تعريف اللاجئ من ينحصر فقط في الجيل الأول».
وتُعرّف الأونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة ما بين 1 حزيران (يونيو) عام 1946 وحتى 15 أيار(مايو) 1948، والذي فقد منزله ومورد رزقه نتيجة الصراع الذي دار عام 1948، وأن لاجئي فلسطين هم الأشخاص الذين ينطبق عليهم التعريف أعلاه وأولئك المنحدرون من صلب الآباء الذين ينطبق عليهم ذلك التعريف.
وحقيقة الأمر، أن الجهود الأميركية تأتي في إطار هدف واضح، لإسقاط قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات، وكذلك إلغاء وكالة الأونروا بوصفها السبب الأساسي في استمرار قضية اللاجئين. كما تأتي في إطار حملة أوسع نطاقاً من جانب إدارة ترامب وحلفائها في الكونغرس لتجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة وإخراج قضيتهم من المفاوضات. فإدارة ترامب تعمل لإعادة صياغة شروط قضية اللاجئين الفلسطينيين لمصلحة إسرائيل كما فعلت في قضية نقل السفارة إلى القدس، عبر سحب اعتراف واشنطن بوكالة الأونروا، على أن تعترف بالوكالة بأنها مفوضية شؤون لاجئين في شكل عام، والخطوة التي تليها، ستعلن واشنطن عن وقف تمويل نشاطات الوكالة في الضفة الغربية، مع الطلب من إسرائيل بإعادة النظر في التفويض الذي تمنحه لوكالة الأونروا للنشاط في الضفة الغربية، وذلك بهدف منع الدول العربية من تمويل الأونروا بعدما تقوم الإدارة الأميركية بوقف تمويل المفوضية.
وبالطبع، تنظر إسرائيل الى الخطوات الأميركية المرتقبة في شأن الأونروا وتعريف اللاجئ الفلسطيني بأنها «خطوة تاريخية ثانية من الرئيس ترامب وفريقه، الذين يستمرون في إدراك الحقيقة كما هي، وبعد أن تم الانتهاء من ملف القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، الآن يقومون بإلغاء حق العودة، وهي عقبة رئيسية في المفاوضات، وباتت الولايات المتحدة تتبنى الموقف الإسرائيلي كاملاً» وفق ما جاء على صفحات بعض المطبوعات الإسرائيلية.
على كل حال، لا يمكن أي طرفٍ فلسطيني، مهما علا شأنه، أن يقبل بما تسعى إليه الولايات المتحدة في شأن الوكالة، وفي شأن قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون قرابة 65 في المائة من أبناء فلسطين بالداخل والشتات. فقضية اللاجئين وحقّهم في العودة وفق القرار الأممي 194 يشكّلان لب القضية الوطنية للشعب الفلسطيني.