مقالات

الحرب الروسية الاوكرانية

حجي مراد


هي الحرب العالمية الثالثة بعينها وأعيانها ، لكنها خجولة هذه المرة متسترة بروسيا من جهة وأكرانيا من جهة أخرى ، ومتخذة من الأراضي الأوكرانية ساحة لعملياتها ، وفي العلن كذلك أن جيشاها المتحاربان هما الجيشان الروسي من جهة والأوكراني من جهة أخرى ، لكن في الحقيقية هي حرب الشرق كله من جهة والغرب كله وأمريكا من جهة أخرى ، وربما شكلها العام والظاهر أنها حرب عسكرية يُستخدم فيها الأسلحة والأعتدة بمختلف الأنواع على أرض حقيقية ، لكنها تخفي في طياتها حرب عالمية من نوع أخر ، تفوق بأنماطها وأسلحتها المعلن عنه والمروج له في أروقة الأعلام ، فهي حرب أوبئة ومصادر مياه وطعام وطاقة وسلاسل توريد ، وهي كذلك حرب عملات ونظم تسوية المدفوعات الدولية وحرب أنترنيت وأتصالات وحرب بيانات المستخدمين وحرب أصطلاحات وتعريفات قانونية ومالية عالمية وحقوق ملكية فكرية أخرى ، ربما هي حرب حضارات بكل معنى الكلمة ، لكنها كسابقاتها من الحروب العالمية الأولى والثانية فأنها لن تنتهي إلا ببزوغ نظام عالمي جديد ، نظام يتم من خلاله تقاسم الأقطاب الكبرى المتحاربة لمصادر الطاقة العالمية بمختلف صورها وأشكالها ، وكذلك تقاسمهم لسلاسل التوريد والأنتاج وتقاسم أستغلالها ، وأنهاء هيمنة الدولار الأمريكي في التسويات الدولية وأيجاد نظم جديدة لتنظيم تلك التسويات ، وأنهاء مشاكل العقوبات الأحادية السائدة وارتداداتها وتأثيرها على الأستقرار العالمي ككل ، والأهم من ذلك كله فمن المؤكد أنه بأنتهاء هذه الحرب فانه سيتم حوكمة شبكة الإنترنت ونظم الأتصالات والتواصل الأخرى وأشراك باقي الأقطاب الكبرى المتحاربة في أدارتها والهيمنة عليها ، ولابد من الأتفاق كذلك على حوكمة وتنظيم أمان المعلومات والبيانات العالمية للمستخدمين ومنع أحتكارها ، ولابد من التصدي كذلك لخطورة تقنيات الذكاء الصناعي وتحديد أستخدامها في المجالات العسكرية والمجالات المحظورة الاخرى ، والتصدي للأستغلال البشع للفجوات التقنية والصناعية في شتى الأصعدة ، ومنع التعامل المزدوج مع الاصطلاحات الدولية والتعريفات القانونية والمالية العالمية وحقوق الملكية الفكرية ، وربما لاتنتهي هذه الحرب إلا بحل هذه الأشكاليات من خلال بناء نظام عالمي جديد ، يحقق ديمقراطية حقيقية عادلة بين دول الأقطاب الكبرى ، ومن المؤكد بأننا سوف لن نكون طرف فاعل في المعادلة العالمية الجديدة ، لكن من المؤكد بأننا سنكون من أدوات تنفيذها ، والله المستعان .