الحرب بدأت بين إسرائيل وإيران: ما تداعياتها على بغداد

13

 

مقدمة
اندلاع المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران لم يكن مجرد تطور عسكري طارئ، بل لحظة فارقة في مسار الشرق الأوسط الحديث. فبعد عقود من الحروب بالوكالة، دخلت اللعبة الكبرى مرحلة التصفيات المباشرة، حيث تُعاد رسم خرائط النفوذ وتُفرَز الوجوه والأدوار. وفي قلب هذه التحولات، تقف بغداد لا كمراقب، بل كلاعب يتعرض للضغط من جميع الاتجاهات. إذ لم يعد السؤال ما إذا كانت الحرب ستؤثر على العراق، بل كيف؟ وهنا تبرز المعادلة الأخطر . أن النفوذ الإيراني في العراق لم يعد شأناً داخلياً، بل قضية دولية ترتبط بأمن الإقليم.
وهذا ما يجعل من لحظة الصراع فرصة نادرة لإعادة بناء السيادة العراقية على أنقاض المرحلة السابقة.

بغداد بين السندان والمطرقة
ليست بغداد بعيدة عن لهب هذه المواجهة. فإيران، التي رسخت نفوذها في العراق منذ 2003 عبر أذرع سياسية ومسلحة، ستسعى إلى توظيف هذا النفوذ للدفاع عن نفسها أو لمناورة خصومها. أما إسرائيل، التي تراقب عن كثب خرائط النفوذ الإيراني، فستعدّ أي تحرك لفصائل عراقية متحالفة مع طهران جزءًا من ساحة المعركة المفتوحة، مما يفتح الباب أمام تصعيد عسكري إسرائيلي مباشر داخل الأراضي العراقية.

الفصائل: هل ستدخل الحرب أم تُجمَّد؟
الأسئلة الكبرى التي تدور اليوم في الأروقة الأمنية والسياسية في بغداد هي: هل تتحرك الفصائل المسلحة التابعة لمحور إيران للرد على إسرائيل؟ أم أن هناك قراراً بتجميد الجبهات خوفاً من ردود إسرائيلية قاسية وتوسيع دائرة الحرب؟ المؤشرات الأولية تُظهر تردداً واضحاً، فهناك خشية من أن تكون الحرب الإسرائيلية الإيرانية فخاً لاستنزاف الجميع، أو فرصة دولية لتصفية الأذرع الإقليمية لطهران تحت غطاء المواجهة الكبرى.

الحكومة العراقية: حياد صعب في لحظة حرجة
أما موقف الحكومة العراقية فيبدو هشاً أمام هذه العاصفة الإقليمية. فهي من جهة تخشى أن تتحول البلاد إلى ساحة حرب جديدة، ومن جهة أخرى لا تمتلك القدرة الكاملة على ضبط سلوك الفصائل المسلحة أو منع انزلاق العراق إلى قلب المعركة. الحياد العراقي، إن أُعلن، سيكون محل شك دائم من الأطراف الدولية، وسيُختبر عند أول إطلاق صاروخ أو بيان من كتائب مسلحة تصف نفسها بأنها “مقاومة للاحتلال الإسرائيلي”.

إيران في العراق: نفوذ لا يقل خطورة عن مفاعل نطنز
مهما كانت نتائج الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران، سواء انتهت بتسوية أو بمواجهة شاملة، فإن هناك حقيقة باتت راسخة في المشهد العراقي: النفوذ الإيراني في العراق لا يقل خطورة عن مفاعل نطنز النووي ذاته. بل إن البعض يرى في هذا النفوذ القنبلة الصامتة التي عطّلت الدولة العراقية لعقدين، ورسّخت الفوضى السياسية والانهيار المؤسساتي.
الوجوه الموالية لطهران، التي كانت تُقدَّم بوصفها “شركاء في العملية السياسية” أو “مدافعين عن محور المقاومة”، لم تعد محل ترحيب لا داخليًا ولا دوليًا. الشارع العراقي بلغ درجة من الوعي تسمح له برؤية هؤلاء كما هم: وكلاء لمشروع خارجي يعمل على تقويض الدولة، لا بناؤها. أما على المستوى الدولي، فقد بدأت الشرعية تُنتزع تدريجيًا من هذه الشخصيات والقوى، ويُعاد تعريف السياسة العراقية بمعزل عنهم.
بلغة أدق: تغيير بنية الحكم والنفوذ في العراق لم يعد مطلبًا شعبيًا فقط، بل قرارًا دوليًا يتبلور بصمت. والوجوه التي ارتبطت بطهران، سياسياً وأمنياً، أصبحت عبئًا على المرحلة القادمة. لا مستقبل لها في عراق ما بعد هذه الحرب، مهما كانت نتيجتها، لأن التحول بات من المسلَّمات الدولية والإقليمية. والخط الأحمر الجديد، الذي يتبلور بهدوء، هو منع تكرار تجربة إيران في العراق، كدولة متداخلة ومهيمنة، تُعطل المشروع الوطني لحساب مشروع فوق وطني.

لحظة اختبار الإرادة العراقية
قد تكون هذه الحرب لحظة اختبار حاسمة للإرادة العراقية الوطنية: هل يمكن لبغداد أن تفرض رؤية جديدة تقوم على حماية السيادة وتحييد العراق عن صراعات المحاور؟ أم أن الواقع سيُعيد إنتاج السيناريوهات القديمة التي تجعل من العراق ساحةً للصراعات الخارجية، لا طرفاً مستقلاً فيها؟
في النهاية، الحرب بين إسرائيل وإيران لن تبقى محصورة في جغرافيا محددة. إن اشتعالها يعني اشتعال “نقاط التماس” الممتدة من الجنوب اللبناني إلى البوكمال السورية، مروراً بصعدة اليمنية وانتهاءً ببغداد، التي قد تجد نفسها مجبرة على اتخاذ موقف، حتى وإن رغبت في الحياد. وما لم تتوفر إرادة وطنية واضحة لقطع الطريق أمام وكلاء الحرب على الأرض العراقية، فإن بغداد ستدفع مجدداً ثمن معارك الآخرين، ولكن هذه المرة في قلب مواجهة عالمية متفجرة .

التعليقات معطلة.