الحرب لم تنته ولا مخاطرها

3

باسم برهوم

قطاع غزة لا يزال في خضم الحرب. ربما بوتائر مختلفة، القتل والنسف والتدمير يتواصل، ولا يزال أكثر من نصف القطاع تحت الاحتلال المباشر، وما تبقى هو مباح للقصف، ويخضع لمراقبة أمنية مشددة، رقابة إسرائيلية أميركية، فغرفة العمليات، التي أقامتها القيادة الأميركية الوسطى عند حدود القطاع. يمكنها أن تسمع كل نفس. ويمكنها رؤية النملة وهي تتحرك، والأهم أن الأوامر أصبحت تصدر مباشرة من الرئيس الاميركي ترامب إلى حماس وما عليها إلا أن تنفذ. وبعد خفض وتائر الحرب في غزة. اشتد وقع الاجراءات العقابية الاحتلالية في الضفة، مع تكثيف غير مسبوق لإرهاب المستوطنين. وهي جميعها تخنق المواطنين الفلسطينيين وتحد من حركتهم. التي وصلت إلى 70 بالمئة مما هو معتاد. والسلطة الوطنية المسؤولة عن حياة الشعب تستمر محاصرتها ماليا وسياسيا. وتمنع من ممارسة سيادتها في قطاع غزة وعلى غالبية الضفة.

المقصود، من كل ما أشير له، هو أن الحرب لم تنته. بل هي مستمرة بشكل أكثر خطورة. ومن دون أن تلفت نظر الرأي العام، وهذا الخطر الأول. كما لا تزال المخاطر الوجودية ماثلة. فهناك إصرار واضح على فصل قطاع غزة، وهذا الفصل يلقى دعما علنيا او بالمواربة من اطراف عديدة، والفصل ليس هو الخطر الوحيد. وانما هوية القطاع الوطنية مستهدفة، فمعظم الحديث الذي يدور حول مستقل غزة لا يتم على اساس جزء من دولة فلسطينية، وانما هو مجرد بقعة جغرافية معروضة للاستثمار العالمي. ليست المشكلة في الاستثمار فهو شيء مرحب به، لكن الاساس في كل ذلك ان يكون القطاع الرئة الاقتصادية للدولة الفلسطينية.

وما يجري في الضفة عمليا هدفه النهائي الضم، او ضم اجزاء واسعة، بالتوازي مع هدف تقويض الكيانية السياسية الوطنية. وما قد يتبقى من سكان سيدار من قبل  لجنة تختارها إسرائيل. بدعم من أطراف هي جاهزة باستمرار لمثل هكذا حلول، وقد تكون حماس في مقدمتها.

أهداف إسرائيل. سواء ما أعلن منها خلال الحرب، او تلك المتعلقة بالأهداف الصهيونية المعروفة، لا تزال كما هي، وهذه الأهداف لا تقتصر على مواقف الحكومة المتطرفة، وانما التيارات الأوسع بالمعارضة تدعمها تماما. وفي نظرة للمعارضة نلاحظ، انه ربما باستثناء حزب “الديمقراطيون”، بقيادة يائير غولان الذي

يجمع بقايا حزب العمل وميرتس. فإن ما تبقى هي أحزاب تتفق مع الليكود بالأهداف المتعلقة بالمسألة الفلسطينية. القوى الإسرائيلية التي لها موقف مختلف عن اليمين الصهيوني المتطرف لا تتعدى ما نسبته الـ 10 بالمئة في المجتمع الإسرائيلي.

إن كان هذا هو المشهد الإسرائيلي، وهذه مشاهد الحرب ومخاطرها، فإن من بين ما يسهم في أن تحقق إسرائيل اهدافها، هو ممارسات حماس، تلك التي تجري على الأرض في قطاع غزة. ليس فقط بما يتعلق بمواصلتها تقديم الذرائع لإسرائيل لمواصلة الحرب والاحتلال. وإنما بأساليب القمع الوحشية. وتحويلها اجزاء من المستشفيات إلى غرف تحقيق  واعتقال لكل من يعارضها. أما على الصعيد السياسي فهي تشارك إسرائيل في هدف  فصل القطاع. فالمحور الذي تفاوض حماس  بخصوصه هو وجودها في القطاع. ولذلك هي تفاوض بقدر كبير من الجهل. وبعدم اكتراث للأهداف الإسرائيلية والأميركية، وبقدر كبير من تجاهل الأهداف الوطنية. وبالتحديد هدف الدولة.

أما الجزء الآخر من المشهد والمتعلق بالموقف الحاسم الذي اعلنه الرئيس محمود عباس من الإصلاحات، وهي كما يتفق الحميع انها مصلحة وطنية، الملاحظ أن هناك اطرافًا لا تتحرك بالسرعة المطلوبة، التي أرادها الرئيس، وفي أحيان كثيرة تحاول وضع العصي بدواليب التحرك لإنجاز هذه الاصلاحات. وأن ننزع كافة الذرائع التي تستخدم لمنع السلطة الوطنية الفلسطينية من ممارسة سيادتها في كافة أراضي الدولة الفلسطينية. نحن هنا بحاجة لنوع من الحزم. فأي تهاون سيستخدم ضدنا.

الحرب مستمرة بأشكال مختلفة ومخاطرها مستمرة. بل نحن في مرحلة هي بالفعل مصيرية بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهي مخاطر لن تقف عند حدود فلسطين بل ستتعدها نحو كل المنطقه.

التعليقات معطلة.