في مؤشر إلى منعطف جديد للحرب السودانية، تمكنت قوات فصيل مسلح جنوب كردفان من السيطرة على أحد أكبر مدن الإقليم الذي يشهد نزاعاً عسكرياً منذ سنوات طويلة، لتصبح المنطقة أول مسرح مواجهة بين الحركات المسلّحة وقوات الدعم السريع، فيما تستمر الأوضاع الإنسانية بالتراجع في ولاية الجزيرة، وسط أسئلة عن انتماءات المقاتلين وحقيقة ما يجري على الأرض. الحركة الشعبية تسيطر في جنوب كردفانقالت مصادر ميدانية لـ”النهار العربي” إنّ عناصر من الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، سيطرت على مدينة الدلنج، إحدى أكبر مدن ولاية جنوب كردفان، وذلك إثر انتشار عناصر الدعم السريع في منطقة هبيلا المجاورة شرقاً. وأضافت المصادر، أنّ دخول مقاتلي الفصيل المسلح قد حدث بوجود حامية للجيش في المنطقة، متحدثة عمّا وصفته “غض نظر” منه، فيما ذكر مصدر قريب من الجيش، أنّ التطورات الأخيرة قد جاءت بتنسيق ضمني لقتال قوات الدعم السريع ومنع التمدّد باتجاه باقي مواقع جنوب كردفان. وأشارت المعلومات في الوقت ذاته، إلى تحفّظ الحركة والجيش على عناصر متّهمة بتسهيل دخول الدعم السريع إلى هبيلا وشن هجمات منها على الدلنج، بينهم قائد اللواء 54 مشاة العميد محمود علي هلالية، مستندة بذلك لانتماءات القبائل العربية التي توالي قوات الدعم بحسب قولها. وتشهد ولاية جنوب كردفان نزاعاً منذ سنوات مع الجيش الشعبي، إذ يعود أصل هذا الفصيل لفترة حرب جنوب السودان، وهو تأسّس من شخصيات موالية لجون قرنق، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان (قتل بتحطم طائرته عام 2005)، إبان قتاله ضدّ حكومة الخرطوم. وبعد انفصال الجنوب عام 2011، بقيت مجموعتان هما الفرقتان التاسعة والعاشرة وأسستا بزعامة عبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان، الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، التي تحصّنت في منطقة كاودا، وخاضت حرباً ضدّ نظام الرئيس المعزول عمر البشير حتى الإطاحة به في 2019. لاحقاً حدث انشقاق ضمن صفوفها الموزعة بين جنوب كردفان والنيل الأزرق، إذ وقّعت مجموعة منها اتفاق جوبا للسلام في 2020، وتزعمها مالك عقار الذي غدا نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي. وبقي عبد العزيز الحلو يقود الفصيل المسلح الذي رفض اتفاق السلام، ولكنه قبل بوقف إطلاق النار، بينما انضمّ ياسر عرمان إلى “قوى الحرية والتغيير”.انتماءات القبلية تتحكّم في المواجهةفي حديث لـ”النهار العربي”، يلفت الباحث في شؤون المجتمعات القبلية عبد الهادي ود البشير، إلى التحالفات القبلية التي تحكم المجتمع في جنوب كردفان، والتي انعكست في تحالف الضرورة بين الجيش وقوات الحلو. ويقول: “إقليم كردفان هو بمثابة صورة مصغّرة لتنوع السودان، إذ يبلغ عدد السكان حوالى 5 ملايين نسمة يتوزعون بين قبائل النوبة، مع مجموعات عرقية عربية أخرى، ولكن غلبة قبائل النوبة وانتماء معظمهم لقوات عبد العزيز الحلو، هما ما دفعهم للتصدّي لعناصر قوات الدعم السريع الذي ينتمي عناصره للقبائل العربية في دارفور، وبالتالي التقت مصالحهم استثنائياً مع الجيش بالتصدّي للدعم”. ويرى ود البشير أنّ توازناً هشاً كان يحكم كردفان مع مساعي الوجاهات القبلية للحفاظ على وقف النار طيلة شهور الحرب، ولكن التحدّي اليوم هو “هل ينقلب الجيش الشعبي لاحقاً على الجيش السوداني بحكم خزّانه البشري والعسكري، ويعلن سيطرته على الإقليم ليكون أول مساحة تخرج من قبضة طرفي القتال؟”.
خطر الانقسام القبلي والمناطقيبدوره، لا يستبعد المحلل السياسي الطيب أحمد أن تحذو حركات مسلّحة أخرى في الولايات البعيدة حذو الجيش الشعبي، وتسعى للتمدّد في مواقع لا تشهد انتشاراً واسعاً للجيش. ويضيف أحمد لـ”النهار العربي” أنّ “انشغال الجيش في الخرطوم والولايات الشمالية والشرقية ترك فراغاً من المتوقع أن تعوّضه الحركات المسلحة، حتى تلك التي وقّعت على اتفاق جوبا 2020، إذ تتشارك هذه المناطق بالتهميش من المركز بالخرطوم وتحديداً في كردفان والنيل الأزرق. وهو أمر ربما يوقف تمدّد قوات الدعم السريع، ولكنه أول إشارات الفيدرالية المستقبلية في السودان بأفضل الأحوال، والتقسيم لو ذهبنا لأكثر السيناريوات تشاؤماً”. حميدتي يتبرأ من مقاتليه في الجزيرةفي موازاة التطورات في إقليم كردفان، تشير المعطيات الواردة من ولاية الجزيرة إلى أوضاع إنسانية متدهورة، وسط اقتحامات لعناصر قوات الدعم السريع وعمليات نهب منظّم على الطرق الواصلة بين الجزيرة وسنار جنوباً والخرطوم وولاية نهر النيل شمالاً، بحسب مصادر أهلية. في المقابل، نقل مصدر مقرّب من تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية (تقدّم) لـ”النهار العربي”، عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أنّ القوات التي دخلت ولاية الجزيرة لم تكن بالتنسيق مع عناصره، متحدثاً عن وجود قوات لا تنتمي لقوات الدعم، وجاءت بطريقة مفاجئة، بل ويمكنها مواجهة عناصره، وفقاً لكلام نقل عنه إبان اجتماع سابق في أديس أبابا.
ويعلّق الناشط الميداني عوض أحمد على حديث حميدتي بالقول إنّ الهدف الرئيسي لاقتحام قوات الدعم السريع كان النهب وليس القتال، وفق تعبيره، ويقول ابن مدينة الحصاحيصا في الجزيرة لـ”النهار العربي”: “قد يكون حديث حميدتي أول إشارات التبرؤ من ممارسات عناصره، بخاصة أن لا أهداف عسكرية في الولاية، وكأنّ ما جرى هو عملية سرقة وإفقار من مرتزقة تمّ وعدهم بالمال والعربات والمحاصيل، لدرجة أنّ قائدهم العسكري أبو عاقلة كيكل قد سحب قواته التي توعد أن تحاسب المتفلتين وتوجّه فقط لحماية بلدته الأم في رفاعة”.