حسن فليح / محلل سياسي
من الواضح ان التحشدات العسكرية في الخليج وسوريا والعراق لم تأتي عبثا أو للنزهة ، وتذكرنا بتلك التي حدثت عام 2003 ضد العراق ، ومن المعلوم ان الحشود الحالية جاءت بعد قلق وحذر الولايات المتحدة اكثر من اي وقت مضى وهي تراقب الاحداث في المنطقة والعالم وما ذهبت اليه ايران من خطر جدي بتشكيل تحالف مع الصين وروسيا واصبحت البوابة لهما لدخول الشرق الاوسط وادامة زخم نفوذهما ، ومساعدتها لروسيا في حربها ضد اوكرانيا وتنامي نفوذها المتزايد في المنطقة وذهاب السعودية باتفاقات عسكرية واقتصادية مع الصين والاتفاق مع ايران باعادة العلاقات معها ، وعدم الوصول لحد اللحظة لاتفاق مقنع ومطمئن لادارة بايدن بخصوص مشروع ايران النووي واعترضها للسفن المحملة بالنفط في ممارسة تقلق المجتمع الدولي وتعرض سلامة الملاحة وتوريد الطاقة للخطر ، فكانت الصدمة والخشية من تفاقم تلك الاحداث وتداعياتها ولتي من شأنها ان تعود بالاثر السلبي على مصالحها التي باتت مهددة ، الامر الذي دفعها الى استباق الاحداث بتغير قواعد اللعبة وتعزيز تمركزها لدفاع عن نفوذها بالمنطقة وفرض سيطرتها على الممرات البحرية الحيوية من اجل تامين صادرات النفط والغاز والعودة الفاعلة للشرق الاوسط والاعلان لمن يهمه الامر ان الشرق الاوسط خطا احمر ويعتبر احد اهم مصالح الامن القومي الامريكي ، وكل ماتبقى من اهداف عسكرية وسياسية ستشملها العملية العسكرية المرتقبة تقع ضمن هذا العنوان الكبير حيث هو الهدف والغاية لجعل الشرق الاوسط ساحة نفوذ امريكية بلا منازع وخالي من اي نفوذ مغاير لها ويتعارض مع أهدافها ، هكذا هو المفهوم العام للموقف العسكري والسياسي من رسالة الحشود البحرية والبرية الامريكية، اذن التلويح بالقوة والعودة بالحشود العسكرية للمنطقة بعد الانسحاب منها مؤشر خطير على تخبط السياسىة الامريكية وفشلها ، يتطلب الامر من الولايات المتحدة ان تعتمد سياسة جديدة ومغايرة تماما عن ماهو معروف عنها من قبل دول وشعوب المنطقة ويفترض ان تكون اكثر جدية وشفافية بالتعامل الحقيقي لتغير واقع الحال لتلك الشعوب والعمل بجدية لتنظيف وغسل اثار ماخلفته تلك السياسة المتخبطة والغامضة منذُ غزو العراق والى يومنا هذا والعدول عن سياسة التوظيف والاحتواء مع ايران والكف عن اطلاق يدها للعبث وتحجيم نفوذها بالقضاء على الفصائل المسلحة الموالية ، ومعالجة الانظمة التابعة لها ، باعتماد سياسة فك الارتباط بالنظام الايراني والعزل والاستهداف لاذرعها ، وهذا واحد من اهم عوامل اعادة الثقة المعدومة بينها وبين شعوب تلك الدول ، التي تجذرت من جراء سياستها الغير فعالة في خلق بيئة سياسية واقتصادية امنة ومستقرة تجلب المنفعه المتبادلة باقامة شراكة حقيقية مع الشعوب بالتنمية الاقتصادية والتطور والتعليم بدلا من مشاركة حكومات مصطنعة وكاذبة وسارقة لمقدراتها ، كان يجب على الولايات المتحدة ان تساعد على صناعة انظمة حكم مدنية تنموية تأخذ مداها الكامل من الزمن لكي تؤسس الى قواعد وثقافة وقيم الديمقراطية بالمجتمعات ابتداءً من المدارس والجامعات والبرامج الثقافية عبر وسائل الاعلام والمؤسسات الاخرى لكي نضمن بعدها تجربة ديمقراطية حقيقية لاخوف عليها من الفشل ، حيث لايجوز ومن غير الممكن ان تقيموا نظاما ديمقراطيا لشعوباً ومجتمعات عاشت تحت رحمة احزاب وانظمة حكم دكتاتورية تسلطت عليها لمدة عقود طويلة وخاضت حروب ليست قصيرة ونزاعات طائفية مقيته وابتعدت عن التنمية والتعليم المزدهر ان تخلقوا منها مجتمعات ديمقراطية بليلة وضحاها ، وكما هو حال التجربة المقيته بالعراق التي انحرفت عن مسارها وتسيدتها احزاب طائفية موالية لاتؤمن بالديمقراطية طريقا للحياة وتؤمن بالسلاح فقط لفرض المعتقدات ، في حين ان الطائفية والديمقراطية نقيضان لايجتمعان وتلك هي عقدتنا في العراق التي جمعتم بينهما في تجربة لا مثيل لها حول العالم مكنت احزاب طائفية تحكم باسم الديمقراطية ، الامر الذي خلق لنا نظامان نظام بالدستور ولم يتحقق منه شيئا على ارض الواقع وبات مغيبا تماما ، ونظام مليشاوي خطف العملية الديمقراطية وتحايل عليها وزورها وحكم باسم الديمقراطية ، وكسب الشرعية المحلية والدولية صورياً ، نود القول ان للحروب والعمليات العسكرية اهدافا وغايات سياسية. تقف خلفها ، نأمل من عمليتكم العسكرية المرتقبة ان تأخذ بنظر الاعتبار التجربة الفاشلة بالعراق وعدم تكرارها والتي لانتمناها لأي شعب من شعوب المنطقة والقيام بالعمل الجدي لاصلاحها والمزج بين اهدافكم واهداف وتطلعات شعوب المنطقة انفة الذكر وصولا لافضل الغايات وتحقيقاً للسلام الدائم والمنفعة المشتركة ، وبدون ذلك لاشرق اوسط مستقر ولا شعوبا آمنة .