اخبار سياسية

الحكومة السودانية تقاطع “الإيغاد” بسبب حميدتي… والأزمة تستعصي

كيف تنعكس مقاطعة الحكومة السودانية لـ"الإيغاد" على جهود الحل؟

 مع انقضاء الشهر التاسع للحرب في السودان، يتصاعد التوتر الدبلوماسي مع تجميد الحكومة للتعامل مع “الإيغاد” التي تناقش الوضع في البلاد الخميس، في قمة في العاصمة الأوغندية كمبالا، يحضرها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ويقاطعها رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي سيلتقي بالقوى المدنية، فيما يشهد الميدان تسارعاً في العمليات العسكرية، وخصوصاً في الخرطوم.

الحكومة تقاطع “الإيغاد”
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية تجميد التعاون مع الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد)، حيال ملف السلام في السودان. وذكرت في بيان صحافي مساء أمس الثلثاء أن ذلك يأتي احتجاجاً على ما وصفه البيان بتجاوزات ارتكبتها رئاسة المنظمة من خلال “إقحام الوضع العام في السودان ضمن جدول أعمال القمة الاستثنائية المقرر عقدها في كمبالا… دون التشاور مع السودان”. ووصفت الخارجية دعوة حميدتي للمشاركة بالسابقة الخطيرة، معتبرة ذلك انتهاكاً لسيادة البلاد.  وكانت وزارة الخارجية في جيبوتي قد أعلنت عن انعقاد قمة طارئة الخميس، وذلك لبحث الأوضاع بين الصومال وإثيوبيا وكذلك في السودان، وهو ما قابله مجلس السيادة السوداني بالرفض، معتبراً في بيان أن “ليس هناك ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان قبل تنفيذ مخرجات القمة السابقة”. كما بدا لافتاً إعلان حميدتي قبوله دعوة رسمية للمشاركة، وهو ما عادت الخارجية السودانية لتقابله ببيان شديد اللهجة، تستنكر فيه خطوة “الإيغاد”. البرهان يوافق على لقاء حمدوك
في موازاة ذلك، قال مصدر سوداني لـ”النهار العربي” أن تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية (تقدم) قد تلقت مساء الأحد رداً من القوات المسلحة لمناقشة خريطة طريق لوقف الحرب في البلاد وإعلان أديس أبابا الذي وقعته التنسيقية مع الدعم السريع، بحسب المصدر الذي أضاف أن مشاورات تجري لتحديد الزمان والمكان وسط ترجيح باستضافة جوبا، عاصمة جنوب السودان، للقاء، مع مشاركة البرهان أو مساعده الفريق شمس الدين كباشي. ويتقاطع الحديث عن اجتماع الطرفين مع ما أعلنه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار إذ لفت في حديث تلفزيوني إلى موافقة الحكومة التي ستقابلهم، كما تقابل كل المكونات السياسية السودانية، على حد قوله، مشيراً لخطاب “تقدم” الذي لم يحدد موعداً بقدر ما كان استفساراً عن إمكانية اللقاء، وفق تعبيره. تحديات أمام المبادرةيعتبر الباحث المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبد القادر محمد علي أن مبادرة “إيغاد” تكتنفها مجموعة من التحديات التي تعوّقها، ويشرح ذلك لـ”النهار العربي” قائلاً: “بعض دول المنظمة النافذة والوازنة منحازة إلى أحد طرفي الصراع، ولها موقف من الطرف الآخر، وهذا ما سينعكس على صيغة أي تسوية تطرحها وعلى موقف الأطراف منها”.
وإلى جانب ذلك، تعاني “إيغاد”، وفق محمد علي، عدم وجود أي أدوات ضغط حقيقية على طرفي الصراع اللذين لم يصلا إلى النقطة الحرجة التي يحتاجان أو يحتاج أحدهما لتسوية ما لها، مضيفاً: “كلا الطرفين يعتقد أنه لا يزال يملك القدرة على الحسم. والقوى الدولية القادرة على إنجاح أي مبادرة قد تقوم بها إيغاد، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تزال غير جادة في ما يتعلق بحسم الصراع، ولولا ذلك لرأينا انخراطاً أميركياً فاعلاً ومباشراً كما حدث في مفاوضات بريتوريا بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.
“قرار مختطف من الإسلاميين”في المقابل، يرى رئيس حركة تحرير السودان الديموقراطية حسب النبي محمود أن اجتماع “إيغاد” مهم جداً في ظل تطورات في غاية التعقيد. بيد أنه، في حديثه إلى “النهار العربي”، يستدرك بالقول إن الإسلاميين يعرقلون أي محاولة لاتفاق سلام شامل بين الجيش والدعم السريع. ويعقب: “رد البرهان كان صعباً جداً، وهو غير مستعد لأن يكون جزءاً من إيقاف الحرب في السودان، والقرار في المؤسسة العسكرية لا يزال مختطفاً من الإسلاميين ويتغلغل داخل المؤسسة، وهو يقود السودانيين إلى مزيد من الحروب والدمار”. ويربط محمود بين ما يجري في السودان والتوتر الإثيوبي – الصومالي، ويوضح: “من حق إثيوبيا أن تجد موطئ قدم على البحر في إطار المصالح المشتركة عبر علاقات استراتيجية ودبلوماسية وفي إطار احترام القوانين، ولكن الصراع المؤجج من الصومال وإريتريا يقود الإقليم إلى توتر كبير”.
الجيش يتقدم في الخرطوم والغضارف ميدانياً، سجلت الأيام الماضية تقدماً للجيش في العاصمة الخرطوم وتحديداً في أم درمان، إذ قالت مصادر ميدانية لـ”النهار العربي” إن عمليات عسكرية انطلقت بالتوازي من منطقة كرري التي يتمركز فيها فصيل تابع للقوات المسلحة وأخرى من مقر سلاح المهندسين جنوباً، بحيث لم تعد المسافة بين الموقعين العسكريين أكثر من بضعة كيلومترات، بحسب المصادر التي أضافت أن أحياء الموردة والعباسية ومحيط استاد الهلال تشهد عمليات تمشيط من الجيش وعناصر الأمن في المدينة. 

وفي اتصال بـ”النهار العربي” شرح الناشط الميداني الفاضل أيوب جغرافيا المدينة، مشيراً الى تمركز الجيش في وسط أم درمان وشمالها مقابل انتشار أقل في الجنوب والشرق عند التقاء النيلين، معقباً: “أحد المعطيات التي ساعدت الجيش على التحرك هو رصد طريق بارا الرئيسي الذي يعتبر شريان الإمداد من دارفور والصحراء، تضاف إلى ذلك إشكاليات قبلية بدأت تندلع بين قبائل الصحراء وأبناء منطقة حمرة الشيخ وهي آخر محطة قبل الخرطوم، ويعتبر معظمهم موالين للدعم السريع”.  ولكن، هل يمكن ترجمة التقدم الميداني سياسياً؟ يجيب المحلل السياسي عبد الله أحمد أن ذلك منطقي، لأن أي عمل عسكري لا بد من أن يصب في غاية سياسية، ويضيف: “على الرغم من انتشار الدعم في دارفور والجزيرة، تبقى للخرطوم رمزيتها كعاصمة تاريخية، واستعادتها أو تسريع وتيرة المعارك فيها تعني أن الجيش أمسك بأوراق ضغط تفرض انسحاب الدعم السريع من المرافق المهمة، وبالتالي يغدو تنفيذ بنود تفاهمات جدة أسهل من قبل، وحتى أي مسعى آخر لإيغاد أو مبادرة المبعوث الأممي يجب أن ترتكز على واقع الميدان، وأن الجيش يستعيد عاصمة السودان القومية”.