الحلم الأميركي… ظاهرة تؤرق المجتمع الموريتاني

1

انتشرت بين الشباب موضة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة وسلكوا لتلك الغاية طرقاً عدة

أقريني أمينوه  مراسل  

ندوة نظمتها منظمة موريتانية مهتمة بالحد من الهجرة غير الشرعية (اندبندنت عربية)

تداعى جمهور كبير من المهتمين بالقضايا الشبابية إلى ندوة المنظمة الموريتانية لمكافحة الهجرة السلبية التي احتضنتها العاصمة نواكشوط قبل أيام.

وتأتي الندوة في وقت تشهد فيه موريتانيا تململاً شعبياً من ظاهرة الهجرات الجماعية لمئات الشباب نحو الولايات المتحدة، عبر الحائط الذي يفصل بين الحدود المكسيكية – الأميركية، كما غذت تجارب المهاجرين العائدين نقاشاً مستفيضاً حول الوطن والغربة وأحلام الشباب المجهضة وخيباتهم التي يحصدونها في الداخل والخارج.

بريق الحلم الأميركي

انتشرت قبل أشهر بين الشباب الموريتاني موضة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وسلكوا لتلك الغاية طرقاً عدة، فمنهم من عبر معظم دول أميركا اللاتينية حتى وصل إلى المكسيك، حيث الحائط الذي يفضي إلى الحلم الأميركي.

كما كان هناك من طار مباشرة إلى المكسيك عبر المطارات الأوروبية التي بدأت تضيق الخناق على أسراب الشباب المهاجرين، تحسباً للحد من هذه الظاهرة التي أزعجت الحكومة الموريتانية.

ويعدد رئيس المنظمة الموريتانية للحد من الهجرة السلبية أباه أعمر مزايا الهجرة إلى أميركا بقوله “قد لا تكون الهجرة إلى أميركا بحد ذاتها ظاهرة مستقلة عن ظاهرة الهجرة بشكل عام بحثاً فرص أفضل”.

ويضيف “لكن الهجرة إلى أميركا بالذات لها ما يميزها، فمستوى الإغراء بسبب سقف الطموحات العالي بسبب اعتقاد حول سهولة الحصول العمل بأجر عالٍ، إضافة إلى سعي الشباب إلى الحصول على الجنسية الأميركية”.

ويوضح أن الشباب يتصورون أنهم سيصلون بسهولة إلى الأراضي الأميركية، وسيحصلون على فرصة عمل، ثم على الجنسية، لكن الحقيقة أن الهجرة إلى أميركا هي الأكثر خطورة، بسبب الطريق الذي تمر به وطبيعة المهربين الذين يتم التعامل معهم”.

اقرأ المزيد

وكان الفنان الموريتاني أحمدو أحمد لوله قد هاجر قبل أشهر إلى أميركا بطريقة غير شرعية. وتابع رحلته آلاف الموريتانيين عبر صفحته على “فيسبوك”، إلا أن بريق أرض العم سام لم يخطف أنظار الفنان الشاب.

لوله قال لـ”اندبندنت عربية” إنه يحتاج إلى 10 سنوات أو أكثر لكي يحقق حلمه في أميركا، “لذلك قررت العودة لوطني وأهلي، فبإمكاني أن أحصل على مورد رزق محترم وأنا بين والدي وأبنائي”.

وعاد الفنان ليبادر إلى إنشاء هذه المنظمة برفقة شباب اتفقوا على هذا الطرح. وقال إن على الشباب أن يعمل في وطنه، وإن الغربة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج”.

وعلى رغم شيوع ثقافة “الوطن يغفر ويرحم” بين كثير من الشباب، فإن الشاب ولد سيدي ما زال يطمع في أن توقف السلطات قرارها المشترك بين وزارة الخارجية والداخلية والمالية الذي تم تعميمه على البنوك من أجل كبح الشباب عن الهجرة، وذلك بمنعهم من قروض سيتعينون بها في رحلتهم الطويلة إلى الحلم الأميركي.

وقال ولد سيدي إن “خارجية بلاده كتبت لعديد الدول المحتمل أن يمر بها موريتانيون مهاجرون أن تردهم من حيث أتوا، وهو ما حصل لبعض الشباب”.

بحسب الشاب عالي سيدي، وهو أستاذ لغة عربية في ثانوية بالداخل الموريتاني، فإن “بنوكاً محلية منعتهم حقهم في استصدار قرض لهم الحق فيه كموظفين رسميين للدولة الموريتانية”.

ويرى عبدالناصر بيبه، وهو مؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي الموريتاني، أن “ظاهرة هجرة الشباب، وبهذا الكم الهائل، كانت مفاجئة وصادمة للجميع، خصوصاً أننا نحن شعب لم يكن في الأقل معروف مثل بعض شعوب المنطقة بالهجرة غير الشرعية طيلة العقود الماضية، لكن لربما السبب الرئيس لهذه الهجرة هو سهولة دخول الولايات المتحدة الأميركية وعدم وجود خطورة على أرواح الشباب طيلة هذه الفترة، حتى أيضاً نظراً لكون المبالغ التي سيصرفونها تعد عادية للأسرة الغنية، وحتى الأسر المتوسطة في موريتانيا”.

الواقع يتحدث

فجرت أخبار اختطاف الموريتانيين العالقين في المكسيك بانتظار الوصول إلى أميركا موجة من الغضب والخوف في صفوف الشباب الذين ما زالوا يراودهم حلم الهجرة غير الشرعية.

وسبق لمواطن موريتاني أن توفي في مستشفى بالمكسيك بعد أن قفز من سيارة مهربين، معتقداً أنه وقع ضحية تحايل من مختطفين، كما دفع الأهالي والمتبرعون الموريتانيون آلاف الدولارات لعصابات مكسيكية خطفت عديداً من الشباب الموريتاني، هذا الواقع جعل الشباب الموريتاني بين مطرقة البقاء في الوطن وسندان الهجرة إلى مجهول غير مضمون العواقب.

ويرى أباه أعمر رئيس المنظمة الموريتانية لمكافحة الهجرة السلبية أنه “على رغم صعوبة الظروف الاقتصادية في البلاد خلال هذه الفترة، إلا أن فرصاً عدة تتوفر للشباب، أبرزها في الوقت الحالي الاستثمار في مجال الزراعة والصيد”.

ويؤصل أعمر طرحه بقوله “إذا نظرنا إلى أن الشباب المهاجر يتكلف في المتوسط ثلاثة ملايين أوقية (نحو 10 آلاف دولار) ليتمكن من الوصول الأراضي الأميركية، فإن بإمكانه استثمار هذا المبلغ في مشروع بسيط يحقق دخلاً مادياً يوفر الحاجات الأساسية، ثم الوصول إلى الدخل المادي المريح الذي يطمح له”.

version=1&uuid=A81D0B09-7697-43C7-95B8-CFEBEA33390C&mode=compatible&noloc=0.jpeg.jpg

استمع الحضور لشهادات حية لمهاجرين عادوا أدراجهم وانخرطوا في توعية الشباب ضد الهجرة (اندبندنت عربية)

ويعلل عبدالناصر أسباب موجات هجرة الشباب بقوله “أتفهم هجرة بعض الشباب للولايات المتحدة، لأنني أدرك أنه من الصعب الحصول على عمل في البلاد، بخاصة للشباب الذين لم يكملوا دراساتهم الجامعية، فأولئك حظوظهم في الحصول على عمل صعب جداً، لا سيما ممن ينتمون لأسر فقيرة أو متوسطة”.

ويضيف عبدالناصر “لكن في الوقت نفسه أعتقد أن بعضهم كان بإمكانهم البقاء في البلاد، خصوصاً أولئك الذين لديهم شهادات، يضاف إلى ذلك أن المبالغ التي يصرفونها طيلة الرحلة قد تفتح لبعضهم مشاريع تغنيهم عن الهجرة، كما أعتقد أن ظروفهم في الولايات المتحدة ووضعياتهم القانونية ستفرض على بعضهم العودة للوطن، نظراً إلى طول الفترة المفروضة عليهم للبقاء هناك قبل الحصول على الأوراق”.

اختلال ديموغرافي

وتخوف عدد من الموريتانيين من اختلال ديموغرافي قد يصيب هرم السكان، حيث تظهر تقديرات غير رسمية أن ما يزيد على 6000 شاب قد هاجر بالفعل إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ويرى أعمر أنه “يصعب التنبؤ بشكل دقيق بتداعيات الهجرة على التوازن الديموغرافي للبلد، إلا أن المؤكد هو أنها اختلالات ديموغرافية لا يمكن حصرها تلوح في الأفق، في حال استمرار هذه الظاهرة بالتسارع بالوتيرة نفسها”.

إلا أن عبدالناصر لا يرى الصورة بتلك القتامة، ويقول “لا أعتقد أن هذه الهجرة الأخيرة للشباب الموريتاني للولايات المتحدة سيكون بها أثر على التوازن الديموغرافي في البلاد، بخاصة أن الأعداد التي هاجرت حتى الآن ليست بذلك الكم الهائل، والسبب عائد إلى أننا ليست لدينا ثقافة الهجرة غير الشرعية”.

التعليقات معطلة.