مقالات

الحل السوري يعيد تأكيد ضروراته

فايز سارة

فايز سارة

كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.

رغم الانخفاض النسبي في الاهتمام العالمي بالقضية السورية في السنوات الأخيرة، فإنَّ الفعاليات ذات الصلة بها تتواصل، حيث تعقد مؤتمرات، وتقام ندوات، وتنظم اجتماعات ولقاءات من مستويات متعددة وتخصصات مختلفة، تتناول جوانب القضية السورية، وما يتصل بها من شؤون وتفاصيل.

المحور الأساسي في الفعاليات، التي تتناول القضية السورية، يركز على جوانب من القضية، منها موضوع اللاجئين السوريين وأوضاعهم، لا سيما في لبنان، والمساعدات الدولية وتدهورها المتزايد، والعقوبات على نظام الأسد، وقضية حبوب الكبتاغون، وقائمة الموضوعات تطول بقدر طول سنوات الصراع الممتدة ثلاثة عشر عاماً مضت.

ولا يختلف اثنان من متابعي القضية السورية والمهتمين بها على أهمية الموضوعات التي يتم تناولها، خصوصاً ما يتصل بموضوعات حساسة وذات تأثير كبير على حياة السوريين الموزعين اليوم على تصنيفات، تشمل نازحين ولاجئين في بلدان الشتات، ونازحين ومقيمين في الداخل تتحكم فيهم سلطات الأمر الواقع، يعيشون ويتأثرون بموضوعات كثيرة، بينها تدهور الأوضاع المعاشية حد الخطر على استمرار الحياة من فقر وجوع وفقدان الأمن، وتدهور أوضاع اللاجئين، خصوصاً في دول الجوار ومنها تركيا ولبنان، التي تجاوزت سوء الحالة المعاشية إلى تهديدات الحياة مقرونة بحملات عنصرية بين تفاصيلها طرد السوريين وترحيلهم.

أهمية الموضوعات أنها تعالج ظروفاً وتفاصيل في حياة السوريين، هي بعض من تداعيات القضية السورية ونتائج مجرياتها، لكنها يمكن أن تحصل في ظروف مختلفة عن الظروف الراهنة بما تعنيه من صراع في سوريا وحولها، وقد عاش السوريون مصاعب كثيرة وظروفاً أمنية ومعاشية شديدة الصعوبة، وواجه السوريون، وخصوصاً العمال منهم، في لبنان أجواء وحملات عنصرية وعمليات ترحيل في سنوات 2005 – 2008. لكن الموضوعات الحالية، أوسع في حضورها وانتشارها، وأشد قسوة وتأثيراً على السوريين وفق الوقائع.

غير أنه ومهما بلغت أهمية الموضوعات وتأثيراتها، فإنها أجزاء من القضية السورية، التي هي قضية عامة، يتوقف على معالجتها وحلها، تسهيل وحل العديد من المشاكل والموضوعات التي ولدت من أحشائها ومن خواصرها بشكل قيصري، ويتيح إنجاز حل في سوريا عودة كريمة وآمنة للسوريين في دول الجوار، وحتى الموجودين في أوروبا، التي تقول بعض حكوماتها إنها لا ترغب في وجودهم هناك، ولن يكون السوريون بعد الحل بحاجة إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية، لأنهم كانوا وبصورة طبيعية ينتجون ما يعطيهم القدرة على الحياة من مصادر محلية أو عبر الاستيراد من الخارج، ولن يحتاج السوريون إلى التدخلات الخارجية الحالية، ولا لوجود القوى المحتلة في بلادهم، إذا مضت مسيرة الحل في سياقها الطبيعي.

ولا شك أن كل الدول المتدخلة بالقضية السورية والفاعلين فيها، يعرفون الحقائق السابقة وأكثر منها، لكنهم بدل الذهاب إلى حل القضية الأم والأساسية التي توافق العالم عليها، يحركون بعض الملفات والموضوعات الفرعية، ليس فقط نتيجة عجز بعضهم وعدم رغبة آخرين منهم للذهاب إلى حل شامل وكامل في سوريا، بل أيضاً بهدف إشغال السوريين والرأي العام العالمي بموضوعات فرعية وتمرير الوقت أملاً في مجيء ظروف أفضل تناسب سياساتهم ومصالحهم في سوريا ومنطقة شرق المتوسط التي تعيش تفاعلات واختمارات، قد تؤدي إلى تغييرات عميقة في المنطقة وعلاقاتها بالقوى الكبرى.

وسط واقع العجز والتقاعس وخصوصاً الأميركي – الروسي عن الذهاب إلى حل في سوريا، ووسط طرح موضوعات فرعية تعجز عن معالجة القضية السورية وتداعياتها، بل دفعت الصراع في سوريا وحولها إلى مزيد من التعقيدات والتشابكات، أكدت ألا مخرج في الموضوع السوري سوى الذهاب مباشرة إلى الحل الذي يتوفر له سندان أساسيان، أولهما توافق دولي على القرار 2254، فشلت كل جهود السعي إلى بديل له، والثاني استمرار عمل خط التواصل والاتصال الأميركي – الروسي الخاص في سوريا رغم كل التوترات التي ظهرت بين الجانبين على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، التي عارضتها الولايات المتحدة، ودخلت في مواجهتها.

ومما يعطي السندين السابقين أهمية أكبر في ضرورة التوجه نحو حل سوري شامل، تحرك عربي – تركي نحو دور جديد في مسار الحل السوري، ربط فيه الجانبان بين إعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وذهاب الأخير نحو تسوية تقوم على أساس القرار 2254، وهو خط يحظى باهتمام الولايات المتحدة.

ورغم أن هذا التوجه لم يحقق تقدماً ملموساً بعد، فإنه فتح أبواباً كانت مغلقة في علاقات تركيا والقوة العربية المؤثرة مع النظام والحليفين الروسي والإيراني، وجعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية أمام خيار مبادرة نحو حل في سوريا أو دعم فعال لمبادرة يطلقها طرف مهتم، لقد بات العالم والقوى المتدخلة في القضية السورية في حيز الحاجة إلى خطوة في سوريا، تأخذها أو تفتح الباب نحو حل، ليس فقط من أجل سوريا فقط، إنما لتمرين الأطراف على الحل في ملفات دولية معقدة منها الحرب في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.