الخفاش المظلوم

1

تتضارب الأقاويل حول مصدر فيروس كورونا منذ أن انتشرت للمرة الأولى صورة طائر الخفاش في وعاء الحساء، كما لو أنه كان يستجم في حوض جاكوزي منعش.

تقارير تقول إن هذا المخلوق العجيب كان المصدر الرئيس للمرض، وتقارير أخرى تعفي الخفاش، وحساءه اللذيذ، من هذه المسؤولية الثقيلة.

ولكن قلما تهم هذه التفاصيل “الصغيرة” بعدما تُثار غريزة الإنسان في الهيمنة والطغيان. وتاريخ هذا الطائر المُستضعف يخبرنا بذلك.

لطالما مثل الخفاش مصاص الدماء، أزمةً في منطقة الكاريبي، ودول أمريكا الجنوبية، أين اعتبر سبباً في نقل داء الكلب إلى مواشيها، ونفوق آلاف الرؤوس منها على مدار العقود، ما أدى إلى إطلاق الحملة الضارية ضد الخفاش في القرن الماضي. وبالطبع، تفنن البشر في قتل هذه الحيوانات التي تمدمن الهيموغلوبين، بحرقها بقاذفات اللهب، وبتفجيرها بالديناميت، وبخنقها بغاز السينايد.

حتى أنهم استغلوا أن الخفافيش طيور اجتماعية متعاضدة، فراحوا يطلونها عند صيدها. وحين يعود الخفاش إلى الكهف بعد إطلاق سراحه، ويشرع “رفاقه” في تنظيفه مثل عادتها، يكون الموت مصيرها جميعاً.

الحصيلة النهائية كانت مقتل الملايين والملايين والملايين من الخفافيش، والتهديد بانقراض فصائل عديدة منه.

وانقضت حملة “التطهير النوعي” تلك، إن صح التعبير، ليكتشف البشر جريمتهم.

فالغالبية الساحقة من الخفافيش التي قُتلت بأكثر الطرق وحشية بحجة حماية المواشي كانت في الواقع نباتية، فالتغذية على الدماء تقتصر على 3 فصائل فقط من أكثر من 1300 فصيلة خفافيش!

بل أنهم قتلوا حيوانات ذات منفعة عظمى لنا، إذ تنشر مئات الأنواع من لقاحات الفواكه، وتوفر علينا مليارات الدولارات في مكافحة الحشرات.

أما المضحك المبكي حقاً فهو ما أثبتته الدراسات، أي أن الخفافيش غير حاملة لداء الكلب على الإطلاق، كما يُشاع عنها، بل أن إصابتها به مهلكة لها، وتصبح عاجزة حتى عن الطيران. ناهيك عن دراسة حديثة لجامعة كالغاري الكندية أكدت أن 0.50% فقط من إجمالي تعداد الخفافيش مصاب بالمرض اللعين.

ولا يهم كثيراً بعد ذلك ابتكار تطعيم لداء الكلب، بات يحمي البشر وحيواناتهم على حد السواء. فلقد شُيطن الخفاش المسكين بنجاح، ودفع الثمن باهظاً، ولا يزال يفعل.

فغداً، أو بعد غد، ستجد المختبرات علاجاً لكورونا يجعل الناس يخلعون الكمامات، ويتنفسون الصعداء مجدداً، ولو من هواء المدن الصينية الملوثة.

إلا أن صورة الخفاش في وعاء الحساء لن تفارق الأذهان بسهولة. كما لم تفارقها على مدار آلاف السنين تلك القصص المُختلقة عن خداع الأفعى الخبيثة، لحواء لإخراجها من الجنة، أو الفتاوى بتحريم تربية الكلاب “النجسة”.

وحتى “تنقرض” بطريقة ما آثار الشيطنة غير المسؤولة وغير المبالية بمخلوقات الله، سيتعين على ذئب ما هنا أن يُقتل للاستعراض، وعلى قطة سوداء هناك أن تُقتل تعذيباً للاشتباه في أنها جني.

التعليقات معطلة.