أحمد إبراهيم الشريف
أعتقد أن مسؤولى المتحف المصرى فى التحرير لم يكونوا يتخيلون كل هذا الإقبال على المومياء الصارخة التى تم عرضها مؤخرا، وعن نفسى عندما رأيت صورتها أصابنى الفزع، وتمنيت أن أعرف قصتها، وهو ما سعى الزميل أحمد منصور لنشره، وما أكدته بعده وزارة الآثار.
القصة مخيفة بشكل غريب، وفيها أن تحليل الحمض النووى للمومياء الصارخة التى تعرف علميا باسم مومياء الرجل المجهول E أثبت أنها للأمير «بنتاؤر» الذى دبر مكيدة قتل والده الملك رمسيس الثالث.
تم دفن المومياء بخبيئة المومياوات الملكية بالدير البحرى، لكنها لم تكن ملفوفة بلفائف الكتان الأبيض الفاخر كعادة المومياوات الأخرى، بل كانت ملفوفة بجلد الماعز الذى كان يعتقد أنه غير نقى فى مصر القديمة، كما وجدت يديه ورجليه مربوطة بحبال من الجلد، كما أنه لم يتم تحنيطها على الإطلاق، بل تم الاكتفاء بتجفيفها فى ملح النطرون، ثم صب الراتنج بداخل فمه المفتوح، كما أن وجود علامات شنق على رقبة الرجل المجهول E تتطابق مع النص الموجود ببردية مؤامرة الحريم التى تسجل قصة المؤامرة على قتل الملك رمسيس الثالث.
عند فحص مومياء الملك رمسيس الثالث ظهرت أدلة عن حياة الملك ووفاته تفيد بأنه توفى فى الـ60 من عمره، وأنه كان يعانى من التهاب بالمفاصل، لكنه لم يُتوفّ نتيجة لكبر سنه، فعند الفحص الدقيق لمنطقة الرقبة بالأشعة المقطعية تبين أن شخصا ما كان قد فاجأه من الخلف بطعنه فى الرقبة بسلاح حاد ومدبب كالخنجر، وقد وصل عرض الجرح البالغ فى الأنسجة لـ35 مم وامتد بعمق حتى وصل لنهاية الفقرة الخامسة وحتى الفقرة السابعة من فقرات الظهر، قطع الجرح جميع الأعضاء الموجودة بمنطقة الرقبة بما فيها البلعوم، والقصبة الهوائية، والأوعية الدموية الأساسية.
وسجلت قصة المؤامرة على الملك رمسيس الثالث تفصيلا ببردية مؤامرة الحريم والمعروضة حاليا بالمتحف المصرى بتورينو، حيث تحكى البردية عن قتل الملك رمسيس الثالث بتخطيط من زوجته الثانية «تى» وابنها الأمير بنتاؤر.
ورغم السنوات الطويلة التى مرت فإن رائحة الخيانة القديمة لاتزال تسرى فى فضاء المتحف المصرى، محيطة بمومياء بنتاؤر الذى صرخ ربما من الألم وربما من الندم، لكنها صرخة جبارة ارتسمت على ملامحه، ولم تغادرها أبدا.