الدبلوماسية القيادية.. وعلاقتها بالمواطنة الإبداعية والثقافية

2

لبنى الهاشمي
هناك آفاق عدة وداعمة لرؤية دولة الإمارات ومستقبلها
خلال العقدين الماضيين، شهدت دول العالم تغيرات عديدة في العلاقات والقيم الاجتماعية، وقد ظهرت هذه المتغيرات نتيجة لعمليات إعادة الهيكلة الاجتماعية في الدول بتأثير الإعلام العالمي وظهور المجتمعات متعددة الثقافات. وانطلاقاً من حق الأفراد في تقرير المصير والسعي نحو الحرية والاستقلال واكتساب الصفة الشخصية القانونية الدولية، ومحاولة إرساء علاقات قومية دولية وممارسة مختلف أشكال النشاط الدبلوماسي الرسمي.
فالدبلوماسية بشكل عام تشير إلى إدارة العلاقات الدولية بالتفاوض والأساليب التي تعدل به هذه العلاقات على يد السفراء والمبعوثين، وتتسم الدبلوماسية بالدقة والمرونة والأخذ والعطاء في سبيل تحقيق الهدف والتأكد من استمرار العلاقات وعدم انقطاعها – ولو كانت ضعيفة جداً.
كما تعتبر الدبلوماسية الأداة التنفيذية للسياسة الخارجية للدولة. بينما يعبر البعد الثقافي عن شعور الشعوب والحكام بأن ثقافتها ومبتكراتها تعتبر من المنجزات الإنسانية الحضارية وعاملاً من عوامل قوة الدولة المضافة والتي تساعد في تقوية سياستها الخارجية الهادفة إلى الوصول إلى المكانة والمنزلة الدولية، وبالتالي فإن هذا الوصف يختلف عن مفهوم العلاقات الثقافية التي سبقت الدبلوماسية من حيث التطبيق باعتبارها عملية تبادل ثقافي. وتُصوَّر الدبلوماسية من وجهة نظر تقليدية على أنها لعبة يتم فيها تحديد أدوار ومسؤوليات الجهات الفاعلة في العلاقات الدولية بوضوح. لم تعد هذه الصورة تشبه العالم الأكثر ضبابية لعلاقات ما بعد الحداثة العابرة للحدود.
وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة حكيمة تؤمن بأن الإبداع هو رأس مال المستقبل وبأن بناء الأفراد يأتي بالمرتبة الأولى قبل أي شيء، بالتالي فهي تؤمن بأن العلم والمعرفة هي أهم أصولها، وأن إبداع الفرد هو سر حضارتها وتقدمها، وأن الانفتاح على مختلف حضارات العالم هو مفتاح قوتها.
وهناك آفاق عدة وداعمة لرؤية دولة الإمارات ومستقبلها، وتتضمن العديد من جوانب فن القيادة والدبلوماسية والسياسية، لمخاطبة الجمهور والتعامل مع وسائل الإعلام، الدبلوماسية والشؤون الدولية، التعاون الدولي (المفاوضات والاتفاقيات)، والاستشارات المتبادلة، وفن الإلقاء والإقناع، والنهل من الثقافة الوطنية والتراثية، إلى جانب القدرة على إقامة الفعاليات والبرامج المشتركة، وفتح أبواب التعاون المشترك مع مختلف جهات القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني في الدولة في سبيل تقديم أفضل البرامج والمبادرات وتبادل الخبرات، وبما يتماشى مع رؤية الدولة 2030 وبرامجها الهادفة إلى تعزيز الهوية الوطنية وصون الموروث الثقافي والشعبي لدولة الإمارات العربية المتحدة والمحافظة عليه وحمايته ونقله للأجيال المتعاقبة.
ولابد م ن إشراك المثقفين شراكة حقيقية وفاعلة في النهضة الثقافية والدبلوماسية الناعمة وتفعيل تجاربهم الخاصة والقيام بدورات تدريبية في المجالات الإبداعية والفنية واستخلاص الخبرات والتجارب الأدبية والقيادية في مجالاتهم الخصبة.
من الأهمية بمكان أن تعمل وزارة الثقافة والإعلام الإبداعي على تأسيس إدارة ضمن جهازها الوظيفي تتولى تشجيع المثقفين، وتفعيل دور الدبلوماسية القيادية والريادة وأدوارها الخلاقة بحاجة إلى تشجيع الكتاب والأدباء والمفكرين، وكل من يختص في هذا المجال، بأن يستثمر في المجالات الثقافية وغير الثقافية، وذلك من خلال دعم جهودهم المشتركة لتحسين أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية وفقاً لنظام الاقتراض والمساعدات المالية المجزية، ليتمكن المثقف من تحقيق طموحاته والوفاء باحتياجات أهله وأبنائه الأساسية.
والانفتاح الإعلامي الذي يشهده الوطن يُحتِّم تدشين مشروع الجاهزية القيادية الإعلامية للتصدي للإعلام الملغوم، وكفاءات وطنية مثقفة ذات خبرات مسبقة تتسم بالمعرفة وفهم التراث الوطني، سيما زيادة أعداد المثقفين المتخصصين قبل الإعلاميين.
ولطالما برزت دولة الإمارات العربية المتحدة على الواجهة العالمية بسياستها المثقفة أو الثقافة السياسية، فمنذ نشأتها الأولى، كمحطة أولى وحصن منيع للأمن والسلام والتسامح، تفيض بمفهوم العدالة.
ومجتمع القوى الناعمة يؤثر في قرارات الدولة، ومسيرتها وتشكيل صيرورتها، ويأتي في مقدمة هذه القوى المثقفون بشتى اهتماماتهم وعلى كافة الأصعدة، من النجوم اللامعة من أدباء وفنانين وشعراء وكتاب وصحفيين وإعلاميين. ويعتبر الاستقرار المادي وسيلة للتفرغ للابداعات الحيوية والتجدد وتلافي الدوران على الذات، والحاجة إلى وجودهم والخروج من عزلتهم، فهم القوة الروحية والمعنوية من خلال ما يجسدونه من أفكار ومبادئ وأخلاق رفيعة. وقد جعلت دولة الإمارات العربية المتحدة من الابتكار والإبداع قيمة مضافة لها وزنها في الاقتصاد الوطني وفي المجتمع ككل، فلم يعد اخياراً وإنما بات ضرورة للدول والمجتمعات والشعوب التي تسعى إلى تنمية موقعها على خريطة العالم الاقتصادية وتعزيز منافستها.

التعليقات معطلة.