عن المؤلفين
مايكل سينغ
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن
إن ما تعتبره واشنطن وقفاً للتصعيد، تنظر إليه طهران بأنه فرصة لتعزيز مكاسبها النووية، وتجنب المساءلة، وتمهيد نفسها لعبور عتبة الأسلحة النووية في الوقت الذي تختاره.
منذ كانون الأول/ديسمبر 2020، قامت إيران بتوسيع أنشطتها النووية بشكل كبير وتقليص تعاونها مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مما جعلها أقرب من أي وقت مضى إلى اكتساب القدرة على صنع الأسلحة النووية حتى مع تراجع إمكانية الاطلاع على البرنامج من قبل الولايات المتحدة وشركائها. ومنذ تداعي جهود إدارة بايدن لإحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” في خريف عام 2022، سعت واشنطن و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى القيام بمبادرات دبلوماسية لدرء أزمة دولية ووقف المزيد من التقدم في برنامج إيران النووي.
ولسوء الحظ، لم تحقق هذه الجهود تقدماً يُذكر، ويمكن القول إنها انتقصت من بعضها البعض، مما عزز إنجازات إيران النووية والروابط القائمة بين التزاماتها بموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة” و”معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية” – وهي النتيجة التي سعت إليها طهران منذ أمد طويل وقاومتها واشنطن وحلفاؤها لفترة طويلة. وفي المقابل، عزز عامل آخر ثقة النظام الإيراني بذاته، التي كانت مرتفعة أساساً نظراً للنجاحات الدبلوماسية والعسكرية الملموسة في المنطقة بالإضافة إلى ارتفاع صادرات النفط. وسوف يتطلب عكس هذه الاتجاهات جهوداً مضنية من جانب الولايات المتحدة وأوروبا لردع إيران وسط خيارات سياسية آخذة في الانحسار وغير مستساغة.
تقليل فترة تجاوز العتبة النووية والشفافية
خلال العامين الماضيين، أصبح التقدم النووي الإيراني أكثر أهمية وإثارة للقلق ــ وفي الواقع أن جميع الدول التي خطت خطوات مماثلة في الماضي واصلت تطوير الأسلحة النووية. وتشمل إنجازات النظام الإيراني ما يلي:
• تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المائة، ولفترة وجيزة إلى مستوى يصل إلى 84 في المائة، وهي نسبة قريبة جداً مما يُعتبر عموماً درجة تصنيع الأسلحة «النووية» (لمزيد من المعلومات حول هذه المصطلحات، راجع هذا الرسم البياني لمعهد واشنطن أو المصطلحات النووية الإيرانية المرتبطة به).
• تخزين ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لعدة أسلحة.
• زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي التي تم تركيبها ونطاق تطويرها وتوسيع مواقعها.
• تقليص “فترة تجاوز العتبة النووية” ـ وهي الفترة اللازمة لإنتاج ما يعادل قنبلة واحدة من اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة (النووية) ـ إلى اثني عشر يوماً فقط.
وعلى الرغم من أن تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى سلاح فعلي يستغرق وقتاً إضافياً، فإن هذا الواقع لا ينبغي أن يكون مطَمْئناً بشكل خاص للمسؤولين الغربيين. فمن المعروف أن إيران تمتلك المعرفة الكافية لصنع الأسلحة (النووية). وتشير المعلومات التي كشف عنها أرشيف الوثائق النووية التي سرقتها إسرائيل من إيران إلى أن جهود هذه الأخيرة الرامية إلى التسلح شهدت المزيد من التقدم وكانت أكثر تنظيماً مما يبيّنه تقرير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لعام 2015 حول “الأبعاد العسكرية المحتملة” للبرنامج. بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن تنتهي مدة العديد من القيود الحالية المفروضة على برنامج الصواريخ الإيراني الشهر المقبل.
ثانياً، قد يكون الوقت اللازم للتسلح (النووي) أقصر من المتوقع، حيث يشير بعض المحللين إلى أن إيران قد تحتاج إلى عامين، لكن رئيس “هيئة الأركان الأمريكية المشتركة” الجنرال مارك ميلي ربط التقدير مؤخراً ببضعة أشهر فقط. ومهما كان الوقت الفعلي المطلوب، سيتعين على القادة الأمريكيين والإسرائيليين الاعتماد على تقييمات استخباراتية قد تكون بثقة منخفضة فيما يتعلق بالتقدم الذي تحرزه إيران، مما يُعقّد إلى حد كبير قرارات المسؤولين الإيرانيين بشأن ما إذا كان يجب أن يتحركوا وكيف ومتى.
ثالثاً، يعتمد منع جهود التسلح على متابعة نشاط اليورانيوم عالي التخصيب لدى إيران، وهو أمر صعب نظراً للخطوات العديدة التي اتخذها النظام للحد من شفافية أنشطته النووية. على سبيل المثال، لم تكن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على دراية كافية حول كيفية تصنيع أجهزة الطرد المركزي وتجميعها في إيران منذ سنوات، وربما يكون مصير الآلاف من أجهزة الطرد المركزي غير مُحْتسب. بالإضافة إلى ذلك، ربما لم يتم اكتشاف إنتاج إيران من اليورانيوم بنسبة 84 في المائة بالسرعة الكافية لتمكين الولايات المتحدة أو غيرها من اتخاذ إجراءات إذا رغبت في ذلك، ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم اكتشاف الحوادث المستقبلية (المماثلة) بسرعة أكبر. وتواصل طهران أيضاً عرقلة جهود “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” للتحقيق في ثلاثة مواقع نووية غير معلنة وردت في أرشيف الوثائق الإسرائيلية، ألا وهي تورقوزآباد، وفارامين، ومريوان.
وتؤكد هذه التطورات مجتمعةً التخوف القائم من تجاوز إيران للعتبة النووية في موقع غير معلن باستخدام أجهزة طرد مركزي تم تحويل مواقعها من المنشآت القائمة. ويشعر المراقبون الدوليون بالقلق أساساً من أن تكون منشأة جديدة قيد البناء خارج نطنز، بما أنها تقع على عمق أكبر من المنشآت الأخرى، وبالتالي ستكون محمية بشكل أفضل من الهجوم. وحتى الآن، لم تُبلِغ إيران “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بالغرض من إقامة المنشأة. وإذا مورست ضغوط على النظام، فسيدّعي على الأرجح أنه غير مُطالَبْ بتقديم مثل هذا الإشعار بعد تعليق (بشكل غير قانوني، من وجهة نظر “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”)تنفيذه لـ “القانون المعدل 3.1” – وهو بند يُلزم إيران إخطار “الوكالة” حول بناء أي منشأة نووية جديدة حالما يتم التخطيط لها أو الترخيص بها بدلاً من انتظار إدخال المواد النووية. وترفض طهران أيضاً تنفيذ البروتوكول الإضافي، الذي يمكن بموجبه لمفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أن يطلبوا الوصول إلى المنشآت النووية غير المعلنة أو المشتبه فيها.
إدارة الأزمات بين الولايات المتحدة و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”: تأثيرات غير مقصودة؟
في شهر آذار/مارس، زار المدير العام “للوكالة الدولية للطاقة الذرية”، رافائيل غروسي، إيران في محاولة لدرء الأزمة وتحسين جهود المراقبة التي تبذلها “الوكالة”، إلا أن طهران رأت في الرحلة بلا شك فرصة لتأخير الإدانة الرسمية لأنشطتها أو منعها من قبل مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وخلال الزيارة، أصدر غروسي و”منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” بياناً مشتركاً وافقت فيه طهران على التعاون في تحقيق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في مواقع تورقوزآباد وفارامين ومريوان، إلى جانب خطوات أخرى تهدف إلى تعزيز أنشطة المراقبة والتحقق التي تقوم بها “الوكالة” (على أن يتم تحديد أنشطة التحقق في المناقشات التقنية اللاحقة). وفي شهر أيار/مايو، أعلنت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عن إحراز تقدم متواضع في تنفيذ البيان المشترك، إذ سمحت إيران بتركيب “أجهزة مراقبة التخصيب” في فوردو ونطنز وإعادة تركيب الكاميرات في ورش عمل أجهزة الطرد المركزي في أصفهان. ولكن أجهزة فوردو ونطنز لم تكن جاهزة للعمل بعد، ولم توافق إيران على منح “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حق الوصول إلى لقطات الكاميرات في أصفهان. ولم يُحرَز أي تقدم آخر بشأن هذه القضايا منذ أيار/مايو.
وفي غضون ذلك، أفادت التقارير أن إدارة بايدن انخرطت في مناقشات مع إيران، سواء بشكل مباشر مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة أو بشكل غير مباشر من خلال شركائها مثل قطر وعُمان. ويبدو أن هذه المحادثات ركزت على التوصل إلى صفقات محدودة بعد انهيار الجهود الأوسع نطاقاً لإحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” في الفترة 2021-2022. وفي الأشهر التي تلت هذا الفشل، حذرت إيران من أن تأجيل التجاوب مع مطالبها الدبلوماسية ذات الصلة سيقابَل بالمزيد من التصعيد.
وتشير التقارير إلى أن المحادثات الجديدة أسفرت عن تفاهمين. أولاً، وافقت إيران على إطلاق سراح خمسة مواطنين أمريكيين محتجزين بشكل غير قانوني مقابل عدة تنازلات، وهي: إطلاق سراح خمسة مواطنين إيرانيين يواجهون تهماً فدرالية متعددة أو أدينوا بها في الولايات المتحدة، وتحرير 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المحتجزة في كوريا الجنوبية، وتحرير 11 مليار دولار من الأصول المجمدة في العراق (على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت الأموال في العراق جزءاً واضحاً من الصفقة).
ثانياً، أفادت التقارير أن الجانبين توصلا إلى اتفاق غير مكتوب لتبادل خطوات خفض التصعيد. ولم يتم تأكيد التفاصيل، لكن يبدو أن هذه الخطوات تضمنت ما يلي: تحويل إيران لبعض اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة الذي تمتلكه إلى يوارنيوم منخفض التخصيب، وإبطاء مراكمتها لليورانيوم عالي التخصيب، وامتناعها عن تركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة جديدة في فوردو، مقابل امتناع الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على مبيعات النفط الإيرانية. وفي الشهر الماضي، تطابقت هذه المبيعات مع أعلى مستوياتها قبل العقوبات والتي بلغت حوالي 2.2 مليون برميل يومياً، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى زيادة المشتريات الصينية عن طريق دول ثالثة.
وإذا كانت هذه التقارير صحيحة، فإن خطوات خفض التصعيد لن تفعل الكثير للحد من التهديد النووي الإيراني. فالفترة الزمنية التي يحتاجها النظام لتجاوز العتبة النووية أصبحت قصيرة بشكل خطير، ولن تتسع بشكل كبير من خلال إبطاء مراكمة إيران لليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة أو خفض مخزونها الحالي بشكل متواضع. بالاضافة إلى ذلك، إذا اختارت طهران تجاوز العتبة النووية وإنتاج أسلحة نووية، فمن المرجح أن تفعل ذلك في موقع غير معلن (على سبيل المثال، المنشأة الجديدة تحت الأرض التي يجري بناؤها في نطنز)، وليس في موقع معلن. وفي هذه الحالة، فإن تعهدها المعلن بعدم تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي في المنشآت المعلنة سيكون أسوأ من أن يكون بلا معنى، بما أن الأجهزة الإضافية قد يتم تحويلها إلى منشأة غير معلنة.
إن الانطباع بأن واشنطن تمارس دبلوماسية سرية يمكن أن يقوض أيضاً الجهود المحتملة الأخرى لمحاسبة إيران على عدم امتثالها لـ “خطة العمل الشاملة المشتركة” و”معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”. على سبيل المثال، إذا أرادت مجموعة الثلاث دول في الاتحاد الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) حشد الدول الأعضاء الأخرى في “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” للضغط من أجل المزيد من التعاون الإيراني، فإن عدم الوضوح بشأن الجهود الموازية التي تبذلها واشنطن سيجعل تلك الدول على الأرجح تتردد في القيام بذلك (أو، على الأقل، يمنحها عذراً لتجنب اتخاذ أي إجراء).
وفي الواقع أن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لإدارة الأزمة قد تغذي عن غير قصد استراتيجية “الخداع والتقدم” الراسخة لدى طهران، والتي بموجبها توافق على صفقات محدودة يساهم توقيتها لدرء الضغوط التي يمارسها مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أو الهيئات الأخرى. ولهذه الصفقات تأثير إضافي يتمثل في تغيير الأهداف الدبلوماسية وتعزيز التقدم الذي حققته إيران بما يتعارض مع التزاماتها السابقة. وعندها تعمد طهران إلى تجاهل حتى تلك الالتزامات المخففة وتغيير قواعد اللعبة بما يصعّب بلوغ الأهداف حتى أكثر من ذلك.
وتعكس هذه الاستراتيجية نظاماً إيرانياً لا يجيد التلاعب بالدبلوماسية النووية الغربية فحسب، بل يستفيد أيضاً من موجة ثقة داخل البلاد وخارجها. فالاقتصاد الإيراني حقق نمواً بنسبة 3.8 بالمائة في عام 2022، ومن غير المتوقع أن يتقلص هذا المعدل كثيراً في عام 2023 نظراً للزيادة المذكورة أعلاه في مشتريات النفط الصينية وعوامل أخرى. وفي منطقة الخليج، أبرمت طهران مؤخراً اتفاقيات تطبيع مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية (الأخيرة بتسهيل صيني)وأرسلت الرئيس إبراهيم رئيسي في جولة ناجحة إلى المنطقة. وفي سوريا، يتم الترحيب بعودة حليف إيران بشار الأسد إلى الحضن العربي، في حين تفيد بعض التقارير أن القوات الإيرانية والروسية تتآمر لزيادة الضغط على القوات الأمريكية المنتشرة هناك. كما أصبحت طهران مورّداً عسكرياً رئيسياً لموسكو في خضم الحرب الأوكرانية، مما أدى إلى تحويل ديناميكية القوة في علاقتهما للمرة الأولى في التاريخ الحديث. وفي لبنان، كثف وكيل إيران، “حزب الله”، أنشطته المناهضة لإسرائيل بحيث أصبح على شفير حرب محتملة أخرى. وعلى الجبهة النووية، تم منع الولايات المتحدة ومجموعة الثلاث دول في الاتحاد الأوروبي بشكل واضح من تنفيذ بند “إعادة فرض العقوبات” المنصوص عليه في “خطة العمل الشاملة المشتركة” بعد أن هددت طهران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90 في المائة، وهو المستوى الذي عادةً ما يُعتبر من الدرجة المستخدمة في تصنيع الأسلحة (النووية).
الخطوات التالية
اعتبرت إدارة بايدن أن خطوات إيران لخفض التصعيد يمكن أن تمهد الطريق لإجراء محادثات نووية أوسع نطاقاً. ومع ذلك، فقد أبدت طهران فعلياً عدم اهتمامها بتجديد “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وستصر على الأرجح على أن يكون تقدمها النووي أساساً لأي محادثات جديدة، وتتخلى بذلك عن حدود “خطة العمل الشاملة المشتركة”. ويستند هذا الاستنتاج جزئياً إلى التصور القائم لدى طهران بأن الإدارة الأمريكية قد وافقت على هذا التقدم بشكل أساسي، ولو على مضض. وفي هذه الحالة، سيركز المفاوضون الإيرانيون على مقايضة تدابير الشفافية والامتثال للضمانات بتخفيف العقوبات وغيرها من التنازلات – وهي المقاربة التي قاومتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الثلاث منذ فترة طويلة.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية تأمل في تغيير هذا المسار، يجب عليها عكس معادلة الردع الحالية. وتقلق واشنطن وشركاؤها من أن تؤدي أي تحركات جريئة إلى دفع إيران إلى تصعيد أنشطتها النووية بشكل أكبر، ولكن هناك مشكلتان رئيسيتان في هذا المنطق. أولاً، يُعتبر الوضع الحالي غير مستقر لدرجة خطيرة بالفعل، ونظراً للفترة الزمنية القصيرة التي تحتاجها إيران لتجاوز العتبة النووية، فإن أمراً بسيطاً مثل تقرير استخباراتي خاطئ أو نزاع دبلوماسي (على سبيل المثال، حول تواريخ أحكام الإنقضاء في الشهر المقبل لمختلف قيود “خطة العمل الشاملة المشتركة”) يمكن أن يثير الأزمة ذاتها التي يحاولون تجنبها. ثانياً، قد يؤدي التشديد على وقف التصعيد إلى تشجيع طهران على الاعتقاد بأنها قادرة على التحرك نحو إنتاج أسلحة نووية دون عواقب، متناسية أن هناك فرقاً قد يكون فتاكاً بين تواجدها على تلك العتبة وبين عبورها فعلياً – وعلى وجه التحديد، خطر نشوب صراع مدمر مع أعداء أقوى بكثير. وقد تقلق كل من الولايات المتحدة وإيران من التصعيد، ولكن يجب على إيران أن تقلق أكثر من ذلك بكثير.
وتشكل جهود واشنطن الأخيرة لتعزيز موقفها العسكري في الخليج وإرسال قوات “مشاة البحرية” لنشرها المحتمل على متن السفن التجارية خطوة أولى جيدة نحو زيادة الضغط العسكري على إيران. ينبغي اتخاذ تدابير حازمة على نحو مماثل في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي.
وتتمثل الخطوة الاقتصادية الأكثر فائدة في اتخاذ إجراءات صارمة ضد مبيعات النفط الإيراني والشبكات المصرفية التي تسهلها. وهذا من شأنه إثارة الشكوك حول احتمال احتفاظ طهران على معدل نموها الحالي.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، ينبغي على الولايات المتحدة أن تطلب من مجموعة الدول الثلاث في الاتحاد الأوروبي استخدام المواعيد النهائية المقبلة لانتهاء المدة المنصوص عليها في “خطة العمل الشاملة المشتركة” كوسيلة ضغط. على سبيل المثال، يمكنها تأخير رفع بعض العقوبات في تشرين الأول/أكتوبر كما تنص “خطة العمل الشاملة المشتركة”، ثم تحذير طهران من أن ذلك يشكل تمهيداً لاتخاذ المزيد من التدابير (على سبيل المثال، طلب إجراء تقييم شامل من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لأنشطة التسلح الإيرانية؛ وتحديث تقرير “الوكالة” بشأن الأبعاد العسكرية المحتملة لعام 2015 بناءً على على أدلة من الأرشيف النووي الإسرائيلي). وحتى أن هذه الدول قد تهدد بتنفيذ بند “إعادة فرض العقوبات” ــ وهو الخيار الذي قاومته لفترة طويلة، ولكن من المرجح أن تفكر فيه بجدية أكبر مع اقتراب انتهاء فترة “إعادة فرض العقوبات” في عام 2025.
من المهم الإقرار بأن الأهداف الأمريكية والإيرانية للجولة الحالية من الدبلوماسية ليست نفسها. فواشنطن تسعى بصدق إلى وقف التصعيد، لكن إيران مهتمة بشكل أساسي بدرء الأزمة بينما تقوم في الوقت نفسه بتغيير أهدافها وتعزيز مكاسبها النووية، وتقوية بنيتها التحتية النووية لصد أي هجوم، وخلق الظروف اللازمة لإنتاج أسلحة نووية في الوقت الذي تختاره. ولا يوجد حالياً سوى القليل من العقبات التي تحول دون استمرار طهران في طريق تقدمها النووي ونهجها القائم على التشويش والتعتيم. وإذا لم يتغير ذلك، فلا ينبغي لواشنطن أن تتوقع تغيير مسار إيران أيضاً.