هناك حالة أرق تاريخية في الأوساط الإسرائيلية، تلاحقهم في نومهم ويقظتهم من تمسك الفلسطينيون بتكريس دولتهم القائمة بالوجود الفلسطيني على الأرض، وبالإستناد لقرارات الشرعية الدولية، وبإعتراف دول العالم بها عبر تقرير المصير، وإزالة الوجود الإستعماري الإسرائيلي عن اراضيها وترسيم الحدود النهائية بين فلسطين وإسرائيل على اساس حدود الرابع من حزيران 1967. وهذا الأرق والرعب من حقيقة وجود الدولة الفلسطينية يعود إلى الآتي: اولا عملية غسل الدماغ التاريخية التي نفذتها الحركة الصهيونية في اوساط اليهود الصهاينة، وتزويرها للحقائق والتاريخ والرواية؛ ثانيا إنكار وجود وحقيقة وجود الشعب العربي الفلسطيني، مع انهم كل صباح ومساء يصطدموا بالوقائع والشواهد على أرض فلسطين التاريخية وبميراثها الفلسطيني العربي؛ ثالثا الخشية من المستقبل، حيث لا يعتقد الإسرائيليون بإمكانية مواصلة حياتهم ضمن الدولة الإسرائيلية في حال إستقلت دولة فلسطين وزال الإحتلال الإسرائيلي؛ رابعا خشيتهم من تغير موازين القوى في المنطقة والعالم، وإنعكاس ذلك على معادلة الصراع، والحؤول دون بقاء الحال على ما هو عليه.
لما تقدم تعمل القيادات الإسرائيلية بتواتر على تحقيق أكثر من هدف منها: اولا مصادرة وتهويد أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية؛ ثانيا توسيع وتعميق عملية الإستيطان الإستعماري الإسرائيلية؛ ثالثا تبديد أية تسوية سياسية تفتح الأفق لتكريس الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967؛ رابعا الدفع بخيار حل الدولة الفلسطينية في سيناء مربوطة مع غزة. وهو ما راهنت عليه المشاريع الأميركية والإسرائيلية من خمسينيات القرن العشرين وحتى الآن.
ولعل تصريح جيلا غامليل، وزير المساواة الإجتماعية في العاشر من نوفمبر الحالي، الذي دعت فيه بشكل واضح إلى رفض وجود الدولة الفلسطينية بين البحر والنهر، وقالت ” أن الدولة الفسطينية فكرة خطيرة على دولة إسرائيل.” وأشارت إلى أن “هذة مشكلة إقليمية، وليست مشكلة إسرائيلية.” وتابعت بصلف وتبجح إستعماري قائلة، أن المنطقة ما بين البحروالنهر “لا يمكن أن تكون إلآ لدولة “إسرائيل” لإسباب أيديولوجية وأمنية.” وخلصت غامليل إلى قبولها وسماحها “بإقامة دولة فلسطينية فقط في سيناء.” بذلك لخصت الوزيرة الإستعمارية الرؤية الصهيونية المعادية لخيار السلام والتعايش، وأعلنت بإسم قوى الإئتلاف اليميني المتطرف الحاكم على تعميد وتكريس سياسة النفي الإستعمارية الإسرائيلية للشعب الفلسطيني وروايته وتاريخه وميراثه الوطني والقومي، وحتى نفيها وشطبها للقرارات والمواثيق والشرائع ومرجعيات عملية السلام الدولية، التي أكدت جميعها على حق الشعب العربي الفلسطيني بإقامة دولته على أرض وطنه الأم.
مع ذلك الدولة الفلسطينية الموجودة فعلا من خلال وجود الشعب الفلسطيني على أرضه إستنادا لحقوقه التاريخية وقرارات الشرعية الأممية، ونتيجة لإصرار القيادة والشعب على التمسك بالثوابت الوطنية، وتعزيز السيادة الوطنية بالقدر المتاح، وبفضل التأييد والرغبة العالمية بضرورة إنصاف الشعب الفلسطيني من خلال إستقلال دولته المحتلة عام 1967 عن دولة الإستعمار الإسرائيلية ستبقى، رغما عن غامليل ونتنياهو وبينت وليبرمان وغيرهم من قطعان المستعمرين. ولم يعد العالم مستعدا للتغطية على الآعيب وهرطقات إسرائيل الإستعمارية بعد مضي قرابة السبعين عاما. آن الآوان لطي صفحة الإستعمار الإسرائيلية بما يؤمن السلام والتعايش والعدالة النسبية والمقبولة فلسطينيا. ولعل المطلوب الآن رفع الصوت الإسرائيلي المؤيد لخيار التسوية السياسية أكثر فأكثر، والتصدي للنزعات الإستعمارية الموغلة في دهاليز منظومتها الفكرية الرجعية والمعادية للسلام. وآن الآوان لإيقاف التهافت الإستعماري الإسرائيلي، وعيش الواقع كما هو، والإعتراف بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه، لإنه دون ذلك ستبقى دوامة العنف والإرهاب جاثمة على صدور شعوب المنطقة برمتها وفي المقدمة منها الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.