بالتزامن مع كارثة زلزال المغرب التي أودت بحياة ما يقارب ثلاثة آلاف شخص، والذي وقع بُعيد أشهر قليلة من زلزال 6 شباط الماضي، الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، تُثار عديد من التساؤلات المرتبطة بالدول العربية الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي.
نظرياً ومن الناحية الجغرافية، تقع عدة دول في المنطقة العربية داخل أو بحدود ثلاثة أحزمة زلزالية رئيسية، وهي:
الحزام الزلزالي الأسيوي-الأوروبي:
ويبدأ من جبال الهيمالايا مروراً بكل من إيران والعراق وحتى باكستان، وانتهاءً بالقارة الأوروبية.
الحزام العربي-الأفريقي:
عبر البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالسواحل التركية، وكل من لبنان وسوريا والأردن. ووصولاً إلى مصر، وبما قد يمتد إلى دول المغرب العربي.
حزام صدع شرق القارة الأفريقية:
يمتد من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن، ويصل حتى سلاسل جبال غرب البحر الأحمر وحتى أديس أبابا.
وبالتالي لا توجد دولة من الخليج العربي شرقاً حتى المغرب العربي غرباً “بمنأى عن الخطر الزلزالي في الوطن العربي”.
وقال المشرف على مركز الدراسات الزلزالية ورئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض، الدكتور عبدالله محمد العمري، في تصريحات خاصة، أن هناك صفائح تكتونية نشطة بين فترة وأخرى، وبما يسفر عن زلازل مختلفة القوة.
وتتحرك تلك الصفائح ببطء بين الغلاف الصخري والغلاف المائع من 2 سم إلى 15 سم في العام، ويصاحب ذلك نشاط زلزالي وبركاني فضلا عن تشكل التضاريس.
الصفيحة العربية تحدها خمسة حدود حركية وفيها تتصادم الصفيحة العربية مع الأوراسية، وينتج عنها زلازل في إيران.
كذلك الصفيحة العربية تتصادم مع الأوراسية من جهة الشمال وتحدث بين الفينة والأخرى زلازل في العراق.
وتتصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة الأوراسية والأفريقية وتحدث الزلازل في تركيا مثلما حدث في فيفري الماضي.
إذا اتجهنا غرباً نجد أن الصفيحة الأفريقية تصطدم مع الصفيحة الأورسية في الشمال في المناطق قبالة قبرص وما حولها، وتنتج عنها زلازل في اليونان وبحر إيجة.
وبخصوص المغرب الغربي، فإن منطقة النشاط الزلزالي تزداد من الجزائر اتجاها للغرب.
وتتعرض المنطقة لعديد من الزلازل مثل الأصنام في الجزائر في العام 1980 وزلزال أغادير في 1960 وزلازل أخرى عبر التاريخ.
وبينما الزلازل في هذه المنطقة نادرة الحدوث، لكن إذا ما وقعت عادة ما تكون كارثية كما حدث في الزلازل المذكورة والزلزال الحالي.
وبالنسبة لخليج السويس، فلا تحدث بتلك المنطقة زلازل كثيرة، مقارنة بخليج العقبة، لا سيما وأن العقبة يربط البحر الميت بالبحر الأحمر.
وإذا اتجهنا جنوباً نجد خليج عدن، حيث ثلاثة أذرع زلزالية تلتقي عند هذه المنطقة.
ويوضح المشرف على مركز الدراسات الزلزالية ورئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض، أن الخطر الزلزالي في المنطقة العربية “متوسط الحدوث”.
مشيرا إلى أن تأثيراته عادة ما تكون قوية نظراً لعدم الاستعداد التام في الوطن العربي لهذه الكوارث وكيفية التعامل مع الخطر الزلزالي بالشكل المطلوب.
وفي ضوء انعدام الثقافة لدى المجتمع، فضلاً عن عدم توافر كود البناء في كثير من الدول العربية. التي لم تأخذ بعين الاعتبار معاملات الأمان الزلزالي بدقة عالية.
الصفيحة العربية
وبحسب هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، فإن “الصفيحة العربية” هي إحدى الصفائح المكونة للقشرة الأرضية.
وتتحرك باتجاه الشمال الشرقي نتيجة لاندفاع مواد من باطن الأرض على طول أخدود البحر الأحمر الذي يتسع سنوياً بمعدل (15) مليمتر تقريباً ما يتسبب في حدوث عديد من الزلازل حول حدودها مع الصفائح المحيطة بها.
والصفيحة العربية تمثل منطقة جغرافية تمتد في جزء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتمتد من منطقة البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي ومن شمال تركيا إلى جنوب السودان.
وهذه المنطقة هي واحدة من المناطق الأكثر نشاطا من حيث الزلازل في العالم بسبب تصادم صفيحة العربية مع صفيحة الهند وصفيحة أفريقيا.
يعتبر نظام الزلازل في الصفيحة العربية معقداً وقد يسبب زلازل كبيرة ومدمرة.
موقف البلدان العربية على خارطة الزلازل
حسب أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بالقاهرة، الدكتور عباس شراقي، تأتي سوريا في مقدمة البلدان العربية من حيث النشاط الزلزالي.
لا سيما أنها مجاورة لتركيا التي تلي من حيث النشاط الزلزالي الدول الواقعة في الحلقة الملتهبة في المحيط الهادئ (مثل إندونيسيا واليابان).
وتقع تركيا بالقرب من خطوط الصدع الرئيسية، وتتأثر بها سوريا كما حدث في زلزال 6 شباط الماضي. كما أن سوريا لديها بعض الفوالق، لكنها تتأثر بشكل كبير بتركيا أيضاً بحكم الجوار.
كذلك المغرب من الدول التي تدخل في خارطة النشاط الزلزالي، لا سيما لوقوعه على البحر المتوسط. وهناك فواصل بين الصفيحة الأفريقية والصفيحة الأوروآسيوية، ولذلك معظم الزلازل هناك تكون على السواحل.
مناطق أخرى في المغرب تتأثر بالفوالق بسبب التقاء وضغط الصفيحة على الأفريقية على العربية “وهو الضغط الذي تسبب في طي الأرض وتكون الجبال المغربية”.
علاوة على أن هناك فالقاً كبيراً من جبال الأطلس يبدأ من أغادير ويمتد بالقرب من مراكش ويصل في الداخل المغربي، نحو الجزائر والمتوسط.
ويشار إلى أنه حدث زلزال على نفس الفالق في أغادير سنة 1960 بدرجة 6.8. والزلزال الحالي نشأ على نفس الفالق، ولكن بعيد عن أغادير ومراكش بحوالي 100 كيلومتر.
دول عربية أخرى يمكن اعتبارها أكثر عرضة للنشاط الزلزالي، منها اليمن وجيبوتي والصومال، في منطقة خليج عدن. وهذه منطقة نشاط زلزال (أقل درجة من المغرب).
كما تعد مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والأردن، بمنطقة حزام الزلازل. “بسبب خليج العقبة والسويس والبحر الأحمر”.. ويعد خليجا العقبة والسويس أكثر نشاطاً في هذا السياق.
ومدينتا شرم الشيخ والغردقة في مصر ومنطقة البحر الميت في الأردن ولبنان وفلسطين أكثر عرضة أيضاً. نظراً لأنهم على الفالق امتداد الأخدود الأفريقي العظيم.
ويلفت شراقي إلى أن الزلزال يمكن أن يحدث في أية دولة وأي مكان، لكن بنسبة 90 بالمئة عادة ما تحدث الزلازل في المناطق التي تشهد التقاء صفائح أو فوالق.
مضيفاً لقائمة الدول العربية الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي كل من مصر وليبيا والجزائر وتونس لوقوعهم على البحر المتوسط، والفاصل بين أوروبا وأفريقيا.
موضحاً أن هذا الفاصل يقطع المغرب نفسه، على عكس الوضع بالنسبة لمصر التي يبعد الفاصل عنها حوالي 700 كيلومتر من الشواطئ المصرية.
أما بالنسبة للدول الخليجية، فيقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بالقاهرة، إنها بحكم قربها النسبي من إيران (التي هي دولة نشاط زلزالي) تتأثر. كما أنها مشابهة للحالة بالنسبة للبنان وفلسطين والأردن على البحر الميت.
وإيران هي واحدة من أكثر الدول عرضة للزلازل فى العالم ولها تاريخ معها حيث كان أسوأها عام 1990 حيث قتل أكثر من 40 ألف شخص.
كما يُحدد مدير مرصد الزلازل الأردني، غسان سويدان، أبرز الدول العربية التي تدخل في نطاق مخاطر الزلازل المُحتملة. بناءً على سجلات الزلازل القديمة التي يعتمد عليها في رسم التقديرات المرتبطة بمخاطر الزلازل. وهي كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن واليمن ومصر والجزائر.
وبالنسبة لدول الخليج العربي، يوضح سويدان أن “المناطق الشرقية هناك قد تكون الأكثر عرضة للزلازل لقربها من الحدود الشرقية للصفيحة العربية”.
وطبقاً لبيانات المعهد الجيولوجي البريطاني وكذلك هيئة المسح الجيولوجية الأميركية، فإن ثمة ثلاثة أحزمة تقع فيها معظم الزلازل.
أبرزها منطقة تسمى “الحزام الناري” أو “حلقة النار” على حافة المحيط الهادئ وتحدث فيها أكثر من 80 بالمئة من الزلازل، نتيجة الحركة التكتونية المستمرة للصفائح في هذه المنطقة.
ووفق تلك البيانات، تشهد المنطقة العربية تطوراً مقلقاً للنشاط الزلزالي وذلك خلال العقد الأخير. وسجّلتها دول كثيرة خاصة على مستوى شعور السكان بزيادة وتيرة الهزّات الأرضية.
وحسب الدراسات، فإن ما يقرب من 30 مليون شخص من سكان المنطقة العربية أي ما يعادل خُمس سكان العرب في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. معرضون لمخاطر زيادة احتمالات حدوث زلازل مدمرة في المستقبل.