ومثلاً، ثمة تجمّع من تلك المناطق في تركيب يسمّى “هايبوكامبوس” Hippocampus (=”حُصين”). إذ يشبه “الحُصين” شكل حبة لوز مقوّسة وسمينة، ويتمركز ضمن القسم الداخلي في وسط الدماغ. ويتحكّم “الحُصين” في عمليّات حفظ المعلومات الآتية من الحواس داخل المخ. وتتولى منطقة سطحيّة عند مقدّمة الدماغ، تسمّى “القشرة ما قبل الجَبهيّة” Pre-frontal Cortex، العمليّات المتّصلة بالذاكرة القصيرة الأجل. إذ تستقبل تلك المنطقة معلومات تأتيها من “الحُصين”، وتحفظها لبعض الوقت. وسعياً لأن يحفظ دماغ الإنسان المعلومات لمدة أطول، لا بد من تدخّل آلية تنهض بها مواد كيماويّة في الأعصاب، تسمّى “عمليّة التقوية طويلة الأمد” Long Term Potentiation، وتنجز داخل “الحُصين”.
آلزهايمر يبدأ بالحسي والقصير الأمد
مع بداية “آلزهايمر”، يصيب التدهور قدرات منطقة “الحُصين” حيث تتركز أنماط الذاكرة المتعلقة بالحواس وباستعادة ما جرى تخزينه كي يستمر لفترة غير طويلة، قبل أن يُزال أو يرسل إلى مناطق يفترض أن يستقر فيها آجالاً طويلة.
أثبتت الدراسات أن حجم أنسجة “الحُصين” لدى الأشخاص الذين يعانون من الــ”آلزهايمر” أقَل من حجمها عند الأشخاص الطبيعيّين. ومع تقلّص حجم “الحُصين”، يبدأ الممر الذي يوصله بـ”القشرة ما قبل الجبهيّة” في التأثّر.
ويورد كتاب أميركي مرجعي في طب الأعصاب عنوانه “لا أستطيع تذكّر ما نسيتُه: أخبار جيّدة من الجبهة الأماميّة للذاكرة” Can’t Remember What I Forgot: The Good News from the Front Lines of Memory Research ، رأياً للدكتور راندي باكنر، وهو طبيب المخ والأعصاب في “جامعة هارفرد”. ويفيد باكنر بأن حجم “الحُصين” لا يتقلّص مع التقدّم في العمر عند المصابين بمرض “آلزهايمر” وحدهم، بل يصيب الناس كافة. إذ ثبت أن حجم “الحُصين” يبدأ في التقلّص بعد سنّ الستين عند جميع الناس، لكن ليس بنفس سرعة تقلّصه لدى مرضى “آلزهايمر”.
لملمة الزمان
استطاع فريق بحثي أميركي آخر التثبّت من وجود عقدة عصبية متخصّصة ضمن نسيج “الحُصين”، تحديداً عند عقدة عصبيّة تعمل بوصفها مركزاً للذاكرة فيه. ولاحظ الفريق أن قدرتها على حفظ المعلومات تنخفض مع التقدّم في العمر. كذلك ثَبُتَ أن الأشخاص الذين يعانون من النسيان الطبيعي الناتج عن تقدّم السن، تنخفض لديهم أيضاً كميّات بروتين معيّن في المُخ. ويعكف ذلك الفريق حاضراً على بحوث تحاول التوصل إلى طرق لزيادة كمية ذلك البروتين، وبالتالي تقوية الذاكرة.
وبالنسبة إلى الشخص العادي، لا يمكن إلقاء اللوم على “الحُصين” وحده في حدوث ظاهرة النِسيان. إذ يتعلّق أمرها إلى حد كبير بالتقدّم في السن أيضاً.
ويبدو طبيعيّاً أن يتأثّر تركيز الأفراد ذهنيّاً مع التقدّم في العمر. ومع كرّ السنوات، تتأثّر “القشرة ما قبل الجبهيّة” في الدماغ التي تتحكّم أيضاً في التخطيط والتنظيم والتركيز. ويبدأ حجمها في التقلّص مع مرحلة منتصف العمر، كما تنخفض كفاءتها في حرق السكر واستخراج الطاقة منه، وتنخفض كمية أحد الهرمونات الأساسية فيها.