منذ إطلاق «ChatGPT» في نوفمبر(تشرين الثاني) 2022 شهد العالم سباقاً تنافسياً في مجال الذكاء الاصطناعي من قبل العديد من الشركات التقنية المختصة، وبالأخص فيما يتعلق بفرع الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يُستخدم لتوليد المعلومات والمحتويات المتنوعة، سواء كانت نصية أو سمعية أو مرئية، فظهرت العديد من التطبيقات التي تخدم ذلك، وأصبح في متناول أيدي الجميع اليوم أدوات جديدة تتيح للإنسان الاستفادة منها في تسهيل أنشطته اليومية، وتوفير الوقت والجهد عليه، وتوسيع حصيلته المعرفية.
وقد أسهمت سهولة الوصول إلى هذه الأدوات عبر الأجهزة الذكية وما تتميز به من سرعة الأداء إلى استخدامها على نطاق واسع من قبل الأفراد في حياتهم اليومية، حيث أصبحت وسيلة شائعة للمساعدة في الكتابة، وتوليد الأفكار الإبداعية، والتعلم الذاتي.
والترجمة والتصميم، وتحضير العروض التقديمية، وغير ذلك، بل أصبحت وسيلة لدعم القرارات الشخصية على المستوى الفردي، حيث يستخدمها الكثيرون لمعرفة الخيارات التي تناسبهم في التسوق والتغذية والصحة العامة وفي التعليم، إلى جانب الترفيه والمتعة وغيرها من الجوانب الحياتية.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى أن يتعامل الإنسان مع هذه الأدوات بوعي وكفاءة، مما يستدعي ترسيخ ثقافة رقمية وطنية واعية، تقوم على تحقيق التوازن بين المسؤولية والاستثمار، مسؤولية الفرد بالاستخدام الأمثل المسؤول لهذه التقنيات، واستثماره لها بالتمكن من امتلاك المهارات التي تعينه على الاستفادة المثلى منها، فيجمع بذلك بين القيم الراسخة والمهارات المتطورة.
ومن مظاهر هذه الثقافة الرقمية الواعية بناء علاقة تكاملية بين الإنسان وهذه التقنيات، تتسم بالحفاظ على إيمان الإنسان بقدراته الذاتية وإمكاناته الإبداعية ومهاراته في التفكير النقدي والتحليل العميق.
فبدلاً من أن يكون الإنسان مستهلكاً سلبياً لهذه التقنيات يصبح فاعلاً ومنتجاً، ومشاركاً نشطاً في صياغة المحتوى وتطويره، مما يجعل العلاقة بين الإنسان والتقنية علاقة تفاعلية متبادلة تتخطى حدود الاستهلاك التقليدي.
فيتعزز بذلك قيمة الإنسان كعنصر محوري في النظام الرقمي، ويتم تمكينه من هذه الأدوات التقنية بطريقة قيادية مسؤولة يتحلى فيها بالتفكير المستقل والابتكار، لتكون التقنية وسيلة وليست غاية، ومساعداً يعزز من قدراته، لا بديلاً يقلل من جودة تفكيره وإبداعه.
وهذا يتطلب من المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية وغيرها تبني استراتيجيات شاملة لتوعية المجتمع وتمكين الأفراد من المهارات الرقمية الآمنة بطريقة قيادية مسؤولة، بما يعزز القيم الوطنية، ويرسخ الأمن الفكري، ويحفز روح الابتكار، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة في العصر الرقمي.
إن بناء منظومة ثقافية تكاملية في علاقة الإنسان بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وبالأخص التوليدي، مسؤولية فردية كذلك، بأن يجعل الإنسان من هذه الأدوات التوليدية صديقاً مساعداً ورفيقاً استشارياً، قابلاً للنقاش والحوار والتدقيق والتكامل الفكري البشري والتقني، ومن الجوانب العملية لهذا التكامل المنشود تعامل الموظف مع هذا النوع من الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وذلك بأن يجعله مساعداً ذكياً لتعزيز إنتاجيته وتحسين مهاراته وأفكاره، إذ يمكنه الاستفادة منه في تحسين أفكاره، أو توليد أفكار جديدة أولية يعمل هو على تطويرها وتحسينها، أو يستفيد منه في تحسين صياغة نصوص كتبها، أو إنتاج نصوص جديدة يقوم بمراجعتها وتحريرها بما يتوافق مع أهدافه وسياق عمله، وبهذا تكون بصمته حاضرة، وروح إبداعه ماثلة في كل خطوة يخطوها، وتفكيره النقدي متنامياً في انتقاء الأجود وترك الرديء.
وهكذا كل فرد من أفراد المجتمع، يسهم في بناء منظومة الإنسان الواعي من خلال دوره الفاعل المسؤول في مسيرة التنمية الرقمية على مستواه الفردي أو الأسري أو المجتمعي.
ولقد أدركت قيادتنا الرشيدة منذ وقت مبكر أهمية التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، فبادرت إلى الاستثمار في هذا المجال الحيوي، ووضعت له الخطط والاستراتيجيات الطموحة، إيماناً منها بدوره المحوري في الارتقاء بجودة الحياة، وتسهيل الوصول إلى الخدمات، وتعزيز التنافسية في مختلف القطاعات التنموية.
ومن هذا المنطلق، فإن مسؤولية مواكبة هذه الرؤية الوطنية تقع على عاتق الإنسان الإماراتي، ليكون فاعلاً إيجابياً في هذا التحول، متسلحاً بقيمه الأصيلة، ووعيه المجتمعي، ودوره المستدام في خدمة وطنه، والمساهمة الإيجابية الفاعلة في بناء مستقبل رقمي مزدهر، يعكس تطلعات الدولة نحو الريادة والتميز العالمي.