عن كيفية الحد من تهديد الأسلحة التي تدير نفسها بنفسها
بول شار
الأربعاء 13 مارس 2024 0:55
جنود أوكرانيون يطلقون مسيرة في مدينة زابوريجيا الأوكرانية، فبراير 2024 (رويترز)
ملخص
الأسلحة المزودة بالذكاء الاصطناعي ستتخذ قراراتها من تلقاء نفسها خلال المعارك مما يهدد بإفلات حروب المستقبل ومساراتها من سيطرة البشر عليها بل قد لا تميز قراراتها بين المدنيين والمحاربين على جانبي الصراع
في العام الماضي، روجت شركة “ساكر” الأوكرانية لصناعة المسيرات أنها أدخلت إلى ميدان المعارك سلاحاً يدير نفسه بنفسه باستقلالية تامة سمته “ساكر سكاوت” [حرفياً، كشاف ساكر] الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قراراته المتعلقة بتحديد من يجب قتله في ميدان المعركة. وأفاد مسؤولو “ساكر” بأن المسيرة موضع البحث نفذت هجمات مستقلة على مستوى محدود. وعلى رغم عدم صدور تأكيد من أطراف مستقلة، فإن التكنولوجيا اللازمة لتكوين سلاح كهذا باتت متوفرة، بكل تأكيد. ولا يستلزم الأمر سوى خطوة تقنية صغيرة، لكنها تمتلك إملاءات قيمية وقانونية وأخلاقية، كي تنتج أسلحة مستقلة موجهة ذاتياً بصورة كلية وتستطيع أن تتولى بنفسها البحث عن أهدافها وانتقائها.
ويبرهن وضع “ساكر” في الخدمة أن النافذة لوضع تشريعات تنظيمية عن الأسلحة الذاتية التوجيه، باتت موشكة على الإغلاق. وعلى مدى عقد أو أكثر، خاضت دول عدة نقاشات عما يجب فعله حيال الأسلحة الذاتية التوجيه، لكنها لم تتوصل إلى اتفاق عن التشريعات التنظيمية التي تتكفل بالحد من أضرار تلك الأسلحة. لكن، ثمة حاجة ملحة للتوصل إلى اتفاقية دولية، إذ قد يفضي التطوير المنفلت للأسلحة الذاتية التوجيه إلى حروب تتوسع وتخرج عن سيطرة البشر، مع حماية ضئيلة للمقاتلين والمدنيين معاً. وحتى إذا لم يبد واقعياً أمر التوصل إلى حظر إجمالي لتلك الأسلحة، هنالك مجموعة من التشريعات العملية التي تستطيع الحكومات تبنيها بغية تخفيف الأخطار الأسوأ التي قد تتأتى من الأسلحة الذاتية التوجيه. إذا لم يجر وضع ضوابط لتلك الأسلحة، ستخاطر الإنسانية بالانزلاق إلى مستقبل خطر من الصراعات الحربية التي تقودها الآلات.
على مشارف الوصول إلى هناك
بصورة جزئية، استخدم العسكريون الأسلحة الذاتية التوجيه على مستوى محدود وبشكل دفاعي محض، منذ ثمانينيات القرن الـ20. وحاضراً، هنالك 30 دولة في الأقل لديها أنظمة دفاعية جوية وصاروخية، أو أنظمة مضادة للصواريخ تحمي مركباتها الأرضية، وتشتمل على وضعيات لتفعيل تلك الأسلحة بشكل ذاتي. وبمجرد تفعيلها، تستطيع تلك الأنظمة الدفاعية باستقلال ذاتي، أن تتحسس الصواريخ والمدفعية والهاونات والمقذوفات والمركبات الجوية المتجهة إليها، ثم تعمل تلقائياً على اعتراضها. في المقابل، تشرف عناصر بشرية على عمل تلك الأسلحة، وتستطيع التدخل إذا حدث خلل ما.
أظهرت الجيوش بعض التلكؤ في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورها القطاع الخاص، ويعود ذلك جزئياً إلى صعوبات في عمليات الشراء. وقد حفزت الحرب الأوكرانية سرعة الابتكار على جانبي الصراع، خصوصاً ضمن التكنولوجيات التجارية على غرار المسيرات الصغيرة. واستخدمت موسكو وكييف كلتاهما المسيرات بصورة مكثفة في عمليات استطلاع القوات البرية وكذلك شن هجمات عليها. ومن ثم أدى ذلك الضرب من توظيف المسيرات إلى تطوير إجراءات مضادة جديدة شملت أنظمة إلكترونية قتالية تستطيع قطع الاتصالات مع المسيرات، أو تحديد مواقع من يشغلونها على الأرض بدقة تمهيداً لشن هجمات عليهم. من الناحية الاستراتيجية، من الصحيح التركيز على المشغلين لأن معظم المسيرات تدار من بعد مما يجعل المشغل البشري عنصراً أساسياً بالنسبة إلى تلك المركبات الطائرة، ومن ثم فإنه يغدو هدفاً حيوياً. وفي غياب المشغلين البشر، تضحى المسيرات المدارة من بعد عديمة الفائدة. ويفسر ذلك أيضاً الأهمية المرتفعة للمسيرات ذات التوجيه الذاتي، ذلك أنها لا تعتمد على خطوط اتصالات قابلة للاستهداف. وبغية مواجهة المسيرات الذاتية التوجيه، يقتضي الأمر العثور عليها بذاتها ثم تدميرها.
وسيعتمد الشكل المحدد لتبني الأسلحة الذاتية التوجيه، على الحاجات المرتبطة بالصراعات. في أوكرانيا، استخدمت موسكو وكييف كلتاهما مسيرات صغيرة بغية استهداف الطواقم البشرية وشن هجمات على المركبات الأرضية. واستعملت مسيرات أكبر تحلق على ارتفاعات متوسطة بهدف الوصول إلى أهداف في العمق خلف خطوط العدو. واستخدمت أوكرانيا قوارب مسيرة في مهاجمة أسطول البحر الأسود الروسي. ومعلوم أن تلك المسيرات كلها تدار من بعد في الوقت الحالي، لكن من المستطاع تطويرها لتغدو مستقلة ذاتياً مما يتيح لها الاستمرار في عملها حتى إذا قطعت الاتصالات التي تربطها مع مشغليها.