الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالن (إكس)

6

من هو رجل الظل التركي الذي ضغط على حماس لإطلاق الرهائن؟
24 – باريس
في إحدى مُحادثاتهما الأخيرة، ضغط الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عليه قائلاً “لا تُغادر شرم الشيخ قبل التوصل إلى اتفاق”، فردّ عليه سريعاً “سنبقى حتى ينقشع الدخان الأبيض”. ونُقل عن خليل الحية، المسؤول البارز في حركة حماس، قوله “تلقيت تعهداً منه بأنّ الحرب انتهت تماماً”.
وفي تقرير مُطوّل نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، تمّ الكشف عن الدور المحوري الذي قام به إبراهيم كالن، المسؤول الاستخباري التركي الأوّل، في مساعي التوسّط والإشراف على مُفاوضات استعادة الرهائن الإسرائيليين، الذين تمّ إطلاقهم أول أمس الإثنين في قطاع غزة.
ووفقاً لتقرير الصحيفة، فإنّ كالن لا يكتفي بدور الوسيط التقليدي، بل يُعدّ قوة مؤثرة داخل الدوائر التركية، ما يجعله لاعباً حاسماً في التوازنات الإقليمية.
من هو؟
بحسب “يديعوت أحرونوت”، يُصنَّف كالن (54 عاماً)، على أنّه “ظلّ أردوغان” المُقرّب جداً، حيث شغل منصب المُتحدّث الرسمي باسم الرئاسة التركية قبل أن يُعيَّن رئيساً لجهاز الاستخبارات. وهو شخصية ذات “ذكاء ثقافي” تجمع بين الحسّ الدبلوماسي والقُدرات التحليلية والانفتاح. وهو ذو ميول إسلامية مُعتدلة، مُتسامح، ويُعرف بالاحترام العميق للأديان الأخرى.
وتُضيف أنّ كالن لعب دوراً كبيراً في التواصل مع إسرائيل، رغم التوترات العلنية بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما يُؤكّد أنّ تركيا تُحاول الحفاظ على قناة مفتوحة للحوار مع الجانب الإسرائيلي، حتى في أصعب اللحظات السياسية.
دوره في ملف الرهائن
وتُوضح “يديعوت أحرونوت”، أنّ كالن تولّى مسؤولية مباشرة في الضغط على حركة حماس لتسليم الرهائن الإسرائيليين، وذلك بعد أن ضمّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تركيا إلى طاولة المفاوضات.
وتُشير إلى أنّ كالن يستخدم علاقاته الشخصية مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، مثل رؤساء أجهزة المخابرات والشؤون الأمنية، لتسهيل التنسيق الهادئ والتأثير على مواقف الأطراف المُختلفة. وفي لقاء دبلوماسي في شرم الشيخ، التقى كالن بمسؤول ملف الرهائن بالجيش الإسرائيلي نِتسان ألون، حيث عبّر اللقاء عن علاقة مهنية تتجاوز الخطاب العلني بين الدولتين، من خلال تبادل العناق بين المسؤولين.
وتذكر الصحيفة أنّ كالن سعى من خلال مواقف ناعمة ومُتوازنة، إلى إظهار أنّه “لا يكره إسرائيل”، وهو تأكيد يسمح بتمرير رسائل استئناف العلاقات الدبلوماسية ببطء وحذر. وهو يعرف جيداً رئيس الموساد، ديدي برنياع، ورئيس الشاباك السابق، رونين بار، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي. كما يُتابع كالين عن كثب إريت ليليان، التي شغلت حتى وقت قريب منصب سفيرة إسرائيل في تركيا، وكان يدعوها دائماً إلى محادثات وحوارات في إطار أوسع.
وعلى عكس أردوغان، الذي هاجم إسرائيل عدّة مرات، رأى كالين الصورة من منظور أكثر تعقيداً. فمن جهة، تبنّى موقف رئيسه القائل بأنّ إسرائيل “تُسيء مُعاملة شعب غزة بشدة”، ومن جهة أخرى، أثّرت قضية الرهائن الإسرائيليين المُحتجزين لدى حماس في نفسه بقوة.
التوازن بين الضغط والدبلوماسية
ويوضح التقرير الإسرائيلي، أنّ كالن تبنّى استراتيجية مُزدوجة: تكثيف الضغوط على قيادة حماس عبر قنوات تركية وقطرية، وفي الوقت ذاته، التواصل الهادئ مع الأطراف الإسرائيلية لتجنّب أيّ تصعيد. ودون وقوفه في العلن، ضمن الخطاب العسكري أو السياسي الصادم.
ولم يقتصر دوره على الوساطة السياسية، بل اقترح كالن إرسال مئات العمال الأتراك إلى غزة للمُساهمة في إعادة الإعمار، وهو ما يرى فيه وسيلة لبناء الثقة وتعزيز الاستقرار بعد الاتفاق.
كما لفتت “يديعوت أحرونوت” إلى أنّ كالن يسعى لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين تدريجياً، من خلال إعادة السفراء واستئناف الرحلات الجوية وتشجيع التبادل التجاري. وقد طلبت الخطوط الجوية التركية تخصيص مسارات لها في مطار بن غوريون، وهو ما اعتبرته الصحيفة مؤشراً على التزام أنقرة بتحسين العلاقات.
التحدّيات والمخاطر
ولكن، كما تُشير الصحيفة، فإنّ الطريق أمام كالن ليس سهلاً. إذ يُنظر إليه داخل الأوساط التركية، أحياناً بريبة، باعتباره يجمع بين سلطة رئاسية ودور استخباري، مما يُثير تساؤلات حول الشفافية والحدود الحقيقية لعمله.
وتُضيف أنّ إسرائيل تُبدي حذراً من استعادة الثقة بسرعة مع أنقرة، بسبب التجارب السابقة التي شهدت تراجعاً أو مُراوغة في تنفيذ الالتزامات. كما يُعدّ التنسيق مع حماس تحدّياً إضافياً، نظراً لتعدد الفصائل الفلسطينية واختلاف مواقفها، ومخاوف من اعتراض قوى داخلية وخارجية على الوسيط التركي، مما يحدّ من قُدرته على فرض نتائج ثابتة.
رجل الظل التركي
وبحسب “يديعوت أحرونوت”، فإنّ نجاح اتفاق الرهائن اعتمد بشكل كبير على استمرار الدور التركي بقيادة كالن، والتقدّم في هذا الملف مرهون باستمرارية هذا الدور خاصة في مرحلة تنفيذ الاتفاق ومُراقبته.
وبعد نجاح الوساطة، فإنّ ذلك قد يُمهّد لإعادة بناء العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تدريجياً، مع فتح صفحة أقل توتّراً في العلاقات الثنائية، ما لم تحدث نقاط خلاف شديدة، كملف القدس أو السياسات الإقليمية في سوريا وليبيا، وهو ما اعتبرته الصحيفة نقطة مفصلية تستحق متابعة دقيقة.
وتختتم تقريرها بالتأكيد على أنّ استمرار التنسيق التركي–الإسرائيلي، يعتمد على قدرة كالن على الجمع بين الدبلوماسية والضغط الذكي، وهو اختبار حقيقي لمهارات الرجل الذي وصفته بأنّه “رجل الظل التركي”.

التعليقات معطلة.