الرئيس ترامب يحتاج إلى الذهاب إلى القمر

1

مايكل سينغ

في غضون عامين فقط، ستحتفل الولايات المتحدة بالذكرى الخمسين لهبوط مركبة “أبولو 11” على سطح القمر، وهو حدثٌ ربما يمثّل أكثر من غيره إرادة الولايات المتحدة وقدرتها على تحقيق ما يبدو مستحيلاً. لكن هذا العام، ستحتفل بذكرى أقل إشراقاً – ففي كانون الأول/ديسمبر، سيكون قد مضى 45 عاماً على المرة الأخيرة التي وضع فيها الإنسان قدمه على سطح القمر، معلناً بداية حقبة طويلة من تراجع الطموحات الأمريكية في مجال الفضاء. وفي السنوات الأخيرة، ثار جدالٌ بين الإدارات الرئاسية الأمريكية حول ما إذا كان على الأمريكيين أن يعودوا إلى القمر أو أن يركّزوا أنظارهم على كوكب المرّيخ.

لكن في الوقت الذي يصيغ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجيته حول استكشاف الفضاء – الذي وصفه أنه “ضروري لكياننا كأمة… ولاقتصادنا ولأمن أمّتنا العظمى” – لا بد من أن يَرفِض هذا الخيار على أنه خاطئ. فمن أجل إعادة تنشيط البرنامج الفضائي الأمريكي الخاص بالرحلات البشرية على نحوٍ مستدام، على الولايات المتحدة أن تستخدم القمر كنقطة انطلاق للمريخ وما يتخطاه، بينما توزّع التكاليف وتحفّز الابتكار من خلال الاستفادة القصوى من فرص المشاركة التجارية والدولية.

وفي حين تركّز معظم أنشطة الحكومة الأمريكية في مجال الفضاء، وحصة الأسد من ميزانية الفضاء، على البرامج العسكرية، تبقى الرحلات الفضائية البشرية مركز استقطاب الاهتمام في البرنامج. فقد سعى كل رئيس أمريكي في التاريخ الحديث إلى إثارة الخيال الشعبي – على أمل الإيحاء بجون ف. كينيدي – والظهور على أنه صاحب أفكار هامّة وجريئة، من خلال الإعلان عن أهداف طموحة فيما يتعلق برحلات الفضاء المأهولة.

وبالنسبة للرئيس باراك أوباما، تمثّل ذلك الهدف في إرسال أشخاص إلى المرّيخ بحلول ثلاثينات القرن الحالي. ورفض أوباما هدف الرئيس جورج دبليو بوش الذي كان ينوي إعادة الأمريكيين إلى القمر، معتبراً أنه “سبق أن زرناه” (ويُفترض أننا قمنا بذلك). فألغى برنامج الفضاء “الكوكبة/كونستلايشن” (Constellation) من حقبة بوش، واستبدله بـ”نظام الإطلاق الفضائي” (Space Launch System SLS). وهذا النظام الأخير هو أضخم صاروخ في تاريخ الولايات المتحدة، مخصص لإرسال البشر إلى مدى أبعد مما وصل إليه في أي وقت من قبل.

غير أن واقع البرنامج الفضائي الأمريكي المأهول لم يتّسم بالحماسة التي أوحت بها الخطابات الرئاسية. فلم تتغيّر ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” منذ التسعينات. ولم تتمتع الولايات المتحدة بالقدرة على إرسال رائد فضاء إلى المدار منذ رحلة مكوك الفضاء الأخيرة في عام 2011، فاشترت بدلاً من ذلك المقاعد على متن رحلات مركبات “سويوز” (Soyuz) الروسية. وبينما تعيش الولايات المتحدة نوعاً ما في العصر الذهبي لعلوم الفضاء – بعد أن وفّرت لها مسابيرها غير المأهولة صوراً رائعة وبيانات قيّمة – إلّا أنّ بعثاتها المأهولة اقتصرت على الرحلات الجوية ذهاباً وإياباً إلى “محطة الفضاء الدولية”، التي من المتوقع إخراجها عن الخدمة في غضون ثلاث سنوات.

ولم يكن أوباما أوّل من دعا إلى الرحلات المأهولة إلى المرّيخ. فقد أعرب الرئيس جورج إيج دبليو بوش عن خطة مماثلة لإيصال رائد فضاء أمريكي إلى “الكوكب الأحمر” بحلول عام 2019. لكن الكونغرس بُهِت من التكلفة، وتم وضع الخطة جانباً. واليوم، كما هو الحال آنذاك، قد تكون التحديات التقنية للوصول إلى المرّيخ أقل صعوبة من التحدي المتمثل في وضع مسار سياسي ومالي لبلوغ أبعاد جديدة في الفضاء.

وسيتطلب تحقيق إنجازات الرحلات الفضائية البشرية الأمريكية القادمة أكثر من مجرّد خطاب فصيح؛ فسوف تقتضي هذه المهمة خطة مصممة تكون مستَدامة على المدى الطويل من خلال زيادة الدعم العام إلى الحد الأقصى، مع التقليل من العبء على “الناسا” إلى أدنى مستوى. واليوم، يمثل تمويل وكالة “ناسا” نسبة 0.5 في المائة فقط من الميزانية الفدرالية، مقارنةً بأكثر من 4 في المائة في ذروة برنامج “أبولو”؛ ولا سبيل للعودة إلى تلك المستويات.

ولن تتخلى الخطة الواقعية عن فكرة البعثة المأهولة إلى المرّيخ، ولكنها ستهدف أوّلاً إلى إعادة البشر إلى القمر لفترات مطوّلة. فالعودة إلى القمر توفر العديد من المزايا. والأكثر وضوحاً هو أنه يمكن إنجازها بشكلٍ أسرع وبتكلفة أقل من الانطلاقة المباشرة إلى المرّيخ. وعلى الرغم من أنها تنطوي على مخاطر كبيرة، إلا أن المسافة الأقصر والتجربة الأمريكية السابقة تعنيان أن الخطر سيكون أقل حدّة من الرحلة إلى المريخ.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقاسم تكاليف ومخاطر إيفاد بعثة إلى القمر مع شركاء دوليين. وحتى في الوقت الذي تحول الولايات المتحدة تركيزها على المرّيخ، زاد اهتمام “وكالة الفضاء الأوروبية” واليابان وغيرهما بالبعثات القمرية المأهولة. ومن شأن التركيز المتجدد على القمر أن يعزز إلى حد كبير من فرص الولايات المتحدة في التعاون الدولي وفي مشاركة الأعباء، وأيضاً إلى ردع روسيا أو الصين – ولكل منهما تطلعاته الخاصة في ما يتعلق بالقمر – عن الحلول محل الولايات المتحدة.

كما يمكن أن يقترن تحوّل تركيز “ناسا” نحو القمر مع تأدية الشركات الخاصة دوراً أكبر في المدار الأرضي المنخفض. فقد تطوّر القطاع التجاري الفضائي بوتيرة سريعة منذ أن قامت الولايات المتحدة أخيراً بتطوير رؤية لاستكشاف الفضاء. ولا بد من أن تسعى أي استراتيجية جديدة للفضاء إلى الاستفادة من هذه التطورات من خلال تحويل عدد أكبر من المهام الروتينية (ويقيناً، هذا مصطلح نسبي في العمليات الفضائية) إلى عاملين من القطاع الخاص، وجعل وكالة “ناسا” متاحة للتركيز على أنشطة أسمى مركًّزة على القمر والفضاء السحيق.

وإذا نجحت الولايات المتحدة في إعادة البشر إلى القمر، يمكن أن يشكّل ذلك نقطة انطلاق لإرسال بعثة مأهولة إلى المرّيخ أو حتى لتحقيق أهداف أكثر طموحاً. ومن الناحية العملية، من شأن البعثات القمرية أن تساعد رواد الفضاء على اكتساب خبرة في المكوث لفترات أطول في عالَم الفضاء. وحتى أن للقمر قدرة على أن يشكّل في النهاية نقطة انطلاق للبعثات الأبعد مسافة، وعلى نفس القدر من الأهمية، من المرجح أن تُنشّط البعثات القمرية الناجحة الدعم العام والسياسي في الولايات المتحدة والخارج من أجل استكشاف الفضاء، مما يساعد في الحفاظ على الاهتمام والتمويل اللازميْن لاتخاذ خطوات مستقبلية نحو الفضاء.

وقد وعد الرئيس ترامب باستعادة “الإرث الذي تعتز به أمريكا في مجال القيادة الفضائية”. وإذا كان سينجح في تنفيذ هذا التعهد، عليه ألا يكتفي بتصويب الاتجاه الذي تسلكه الولايات المتحدة، بل أن يخطط لكيفية بلوغ وجهتها، في ظل انخفاض الميزانيات والأولويات المتنافسة.

التعليقات معطلة.