ارتبط مفهوم الروتين طويلاً بالملل، ولطالما قرأنا نصائح لكسره أو تغييره. وفي المقابل، بتنا نعيش حياة فائقة السرعة غيَّرَت بعض مناحي مفهوم الروتين، فصار شيئاً لا بد للفرد من أن يسعى إليه ليوفر بنية إيجابية ليومه، ويعزز صحته النفسية ورفاهه الذاتي.
ماذا نقصد بالروتين؟
يشير الروتين إلى وجود هيكل يومي متعدّد الأوجه، يساعدك على الشعور بمزيد من السيطرة، كتحديد وقت تناول طعامك وممارسة رياضتك، ويمنحك ذلك المزيد من الوقت للأشياء التي تُقدرها وتستمتع بها. ويُفضَّل أن إرساء الروتين اليومي الجديد بشكل سلس، مع تضمينه أوقاتاً للعمل والنشاط وأخرى للراحة، ما يساعدك في استعادة بعض الاستقرار في حياتك.
يُقسم الروتين اليومي إلى نوعين،
– الروتين الأساسي. يتضمن السلوكيات الضرورية للحفاظ على سبل العيش والاحتياجات البيولوجية، مثل النظافة والنوم والأكل.
– الروتين الثانوي الذي يعبِّر عن الظروف الفردية والدوافع والتفضيلات. ويشمل ممارسة الرياضة، والأنشطة الترفيهية أو الاجتماعية، والممارسات المرتبطة بالعمل أو الدراسة، بما في ذلك الالتزام بالوقت وتحقيق الأهداف والغايات.
وإلى جانب الروتين الأساسي في حياتك، يُنصح بإنشاء روتين جديد يشعرك بالسعادة ويريحك، كالتواصل مع الآخرين، العناية بالنفس، إيجاد أوقات للاسترخاء، تحديد وقت للاستيقاظ أو النوم، إيجاد طقوس صباحية أو مسائية، وغيرها.
وتؤكّد دراسة علمية نشرتها مكتبة هيئة “خدمات الرعاية الصحية الوطنية” في المملكة المتحدة بعنوان “تنظيم الروتين اليومي للصحة النفسية أثناء وبعد جائحة كوفيد-19″، أنّه يمكن للروتينات المنتظمة أن تخفف من التأثير السلبي للتوتر على الصحة العقلية، فالحياة اليومية هي السياق الأساسي للمرونة أثناء الصدمات والإجهاد المزمن.
لماذا يجب عليك صنع روتين يومي؟
حديث خاص
آن ماري حنا فياض – معالِجة نفسية
إنشاء روتين يومي يمكن أن يحسن علاقاتنا وصحتنا الجسدية وإنتاجيتنا وتركيزنا ويقلل من التوتر. فالفرد بطبيعته لا يملك السيطرة على العالم من حوله وما يجري، ويأتي أي روتين يعتمده الفرد ليعطيه شعوراً بالاستقرار ويسمح له بأن يبقى شخصاً فاعلاً ونشيطاً جسدياً ونفسياً وذهنياً، فذلك يؤثر على الجهاز العصبي، ولا سيما خلال الأزمات والظروف الصعبة، حيث يحتاج المرء إلى الروتين أكثر.
من أهمّ الروتينات التي يجب الحفاظ عليها للشعور باستقرار أكبر في اليوم، روتين وقت تناول الطعام (ثلاث وجبات) ووقت النوم (الساعة البيولوجية) والاستيقاظ، وللرياضيين أوقات ممارسة الرياضة إضافةً إلى النوم والطعام.
تنظيم اليوم بأوقات محددة يحدّ من التوتر طبعاً، فبغياب الروتين مثلاً خلال جائحة كورونا، توقّفت حياة الناس وحركتهم ولزموا منازلهم وانقطع التفاعل والتواصل في ما بينهم، ما أدّى إلى ارتفاع الإحباط والقلق، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي. بالتالي عدم انخراطه في أي روتين خارج المنزل يختلط بموجبه مع العالم الخارجي ومحيطه، يؤثر تأثيراً كبيراً وسلبياً على مزاجه. فعدم إنشاء أي روتين يومي والانزواء يعزز الاضطرابات النفسية ويؤثر سلباً على الصحة النفسية.
وعدم التزام الفرد بروتينات معينة يعود إلى عوامل عديدة مثل موت عزيز أو انفصال عن شريك أو تغيّر جذري في الحياة أو صدمة عاطفية، لكن جميعها ظروف عرضية يشعر عبرها الشخص بالإحباط وعدم الرغبة في القيام بأي شيء. وهذه الحال تؤدي إلى القلق لا سيما في غياب القيام بأي نشاطات ترضي الشخص.
كذلك، يعزز الروتين الجانب المعنوي في حياة الفرد، وهنا يجب أن نشدّد على أهمية ممارسة الهوايات، فهي تعزّز التحفيز. فمثلاً مَن يهوى الرسم، لدى إنهائه لوحة معينة، يشعر بالرضى والإنجاز، وهذا شعور يرفع من معنوياته، والأمر نفسه بالنسبة إلى الرياضة، فعندما ينهي الفرد حصة رياضة يشعر بأنّه أدّى شيئاً مفيداً لجسمه إضافة إلى شعوره بالراحة والسعادة، إذ إنّ الجسم يفرز هرمونات السعادة (الدوبامين والسيروتونين) بعد النشاط الرياضي.
زد على ذلك، فإنّ غياب الروتين لدى الفرد يؤثر على محيطه من أفراد عائلته أو شريكه. فعادة الشخص الذي لا يعتمد روتين معين في يومه يكون يومه غير منتظم، ويكون هو متوتراً وقلقاً وذا مزاجٍ سيئ وغير مرتاح. بالتالي، هذه الحالة ستنعكس على محيطه وشريكه سلباً، فالأشخاص متّصلون في ما بينهم، فكما أن الضحك هو حالة معدية، فإنّ الحالة المزاجية السلبية والتوتر ينعكسان أيضاً سلباً على محيط الشخص وينقلان الطاقة السلبية إليه.
حديث خاص
نادين عز الدين – مدربة حياة
الروتين اليومي ينظم حياة الشخص فالأمر شبيه بفتح الفرد لخزانة ألبسته ويجدها مرتبة ومقسمة على طريقته، وهنا يشعر بالراحة ويدرك أين وضع أغراضه. كذلك يفعل الروتين، فالعقل يحب التنظيم. وهناك روتينات توفّر السعادة مثل روتين الصلاة والأدعية، أو وضع الأهداف والعمل عليها، أو النوم والاستيقاظ بوقت محدَّد، أو ممارسة الرياضة أو التأمّل، جميعها أمثلة تعطي شعوراً بالراحة وتدعم الصحة النفسية.
لكن أيضاً الروتين في مواضع أخرى قد يكون قاتلاً، وهنا لا بد من إنشاء روتين أو إضافة روتين لتغيير أو التقليل من تداعيات هذا الروتين القاتل. نتحدّث مثلاً عن روتين العمل، كأن يشعر الشخص بأنّه ليس في مكان راحته أو أنّه لا يتقدم، وهنا يُنصح بالخروج من هذا الروتين وتجربة نشاطات جديدة لكي يطلق الفرد إبداعه. وعندما يتمكّن من الخروج من هذا الروتين، يمكنه الخروج من روتين العلاقات أيضاً، إذ لا بدّ من أن يتعرّف الفرد إلى أشخاص جدد دائماً مع الحفاظ على حدوده معهم.
كيف تلتزم بروتينك؟
– حدد أهدافاً واقعية.
– ابدأ بالعادات الأساسية.
– اكتب روتينك الجديد على شكل جدول أو قائمة.
– امنح نفسك جدولاً زمنياً مريحاً لتحقيق أهدافك.
– حاول القيام بالأشياء في الوقت نفسه كل يوم.
– كافئ نفسك عندما تلتزم بروتينك.
– لا تعمل في روتينك اليومي على إرضاء الآخرين، بل إرضاء نفسك.
– استغل وقت فراغك في إدراج عادات جديدة.
– واظب حتى لو فاتتك بضعة أيام.
– اعتمد على محيطك المقرّب والداعم.
– حافظ على التوازن بين تحقيق أهدافك وجوانب حياتك الأخرى.
– عدّل روتينك بحسب حاجتك.
– انضم إلى مجتمع يتوافق مع روتينك.
– استبدل كلمة “يجب أن أفعل” بـ”سأفعل”.