دفع الزلزال الذي أسقط أكبر عدد من القتلى في تركيا منذ جيل، الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مواجهة تحد هائل فيما يتعلق بالإنقاذ وإعادة الإعمار، وهو ما سيلقي بظلاله على الفترة التي تسبق انتخابات مايو(أيار) المقبل التي كانت تُعتبر بالفعل الأصعب خلال عقدين من حكمه.
وبعد يومين من وقوع الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 5 آلاف شخص في تركيا، اشتكت أحزاب المعارضة وبعض السكان في المناطق الأكثر تضرراً من بطء السلطات أو عدم جاهزيتها بالمعدات اللازمة للتعامل مع ما وقع من دمار.
وأي تصور بأن الحكومة غير قادرة على التعامل مع هذه الكارثة بشكل صحيح، أو أنها لم تطبق قوانين البناء الملائمة في بلد معرض للزلازل، من شأنه أن يضر بمساعي أردوغان في الانتخابات، لكن محللين يقولون إن الرئيس قادر على حشد التأييد الوطني لأسلوب التعامل مع الأزمة، وعلى تعزيز موقفه لكونه ماهراً في خوض الحملات الانتخابية، ولأن حكومته تصدت لزلازل وحرائق غابات وغيرها من الكوارث الطبيعية منذ توليه السلطة في عام 2003.
وفي حديثه بعد ساعات فقط من الزلزال الذي وقع أول أمس الإثنين، والذي وصفه بأنه أسوأ زلزال يضرب تركيا منذ أكثر من 80 عاماً، قال أردوغان إن السلطات حشدت بالفعل الآلاف من عمال الإنقاذ الذين لن يدخروا جهداً رغم ظروف الشتاء القاسية.
وأعلنت الحكومة “إنذاراً من المستوى الرابع”، وطلبت مساعدات دولية، وأعلنت حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في المناطق الأكثر تضرراً، وقالت مجموعة أوراسيا الاستشارية: “تعامل أردوغان بسرعة وثبات مع الأزمة… من المرجح أن يؤدي إلى تلميع صورته كزعيم قوي قبل انتخابات 14 مايو(أيار) المقبل، إذا تمكنت الحكومة من مواصلة جهودها الفاعلة التي بدأتها مبكراً”.
نظرية “البجعة السوداء”
ومن المرجح أن تصل تكاليف إعادة الإعمار إلى عدة مليارات من الدولارات، مما يجهد الاقتصاد الذي يعاني بالفعل من تضخم بلغ 58%، ويقول خبراء اقتصاديون إن من المتوقع أن يحد الاضطراب، في المنطقة التي يسكنها 13 مليون نسمة، من النمو هذا العام.
وقال أتيلا يسيلادا من غلوبال سورس بارتنرز: إن “حجم الضرر، الذي وقع على امتداد مئات الكيلومترات وتأثر به ملايين الناس ومنازلهم، من شأنه أن يغير تماماً صورة الاقتصاد والسياسة في تركيا”.
واستخدم مصطلح “البجعة السوداء” في الإشارة إلى الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، وهي نظرية تشير إلى الأحداث غير الواردة في الحسبان ويمكن أن يترتب عليها عواقب وخيمة، وقال إنه لم يتضح بعد ما إذا كان يمكن إجراء الانتخابات في المناطق الأشد تضرراً.
ولم يندفع خصوم أردوغان السياسيون إلى تحقيق مكاسب سياسية في أعقاب الزلزال مباشرة، في الوقت الذي لا يزال فيه كثيرون محاصرين تحت الأنقاض كما أن عدد القتلى آخذ في الارتفاع، واكتفى تكتل سياسي يضم 6 أحزاب معارضة بالقول إن الحكومة يجب أن تتعامل “دون تمييز” مع الكارثة التي ضربت مناطق منها تجمعات لأكراد ولاجئين سوريين.
ولكن الأمين العام للحزب الصالح أوجور بويراز، وهو حزب قومي ينتمي ليمين الوسط، قال إنه قام جولة في المناطق المتضررة بشدة وإنه حتى صباح أمس الثلاثاء لم ير أي علامة على وجود عمال للإنقاذ في حالات الطوارئ، وأضاف “بالتأكيد لا يوجد تنسيق احترافي لتقديم المساعدات… المواطنون والفرق المحلية ينضمون إلى عمليات الإنقاذ بأنفسهم لإخراج الناس من تحت الأنقاض”.
وتقول السلطات إن أكثر من 12 ألفاً من أفراد البحث والإنقاذ و9 آلاف جندي آخرين يشاركون في العمليات، وقال حسنين مالك العضو المنتدب لاستراتيجية أسهم الأسواق المبتدئة لدى تيليمر في دبي إنه، “عندما تكون المنافسة في الانتخابات محتدمة، فقد يؤثر تعامل الحكومة في حالات الطوارئ على الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، وهم قطاع مهم، لكن من غير المرجح أن يؤثر على المؤيدين الأوفياء لأي من الجانبين”، مضيفاً “تعامل حكومة أردوغان مع هذه الكارثة الطبيعية قد يشكل موقف الناخب الذي لم يحسم أمره بعد، لكن ولاءات معظم الناخبين محددة بالفعل”.