عصام محمد عبد القادر
الزواج الذي يعتمد على فلسفة الموازنة بين العاطفة والتعقل، يؤدي إلى ازدهار الوجدان، ويسهم في تفعيم المشاعر الإيجابية بين الطرفين؛ فيحدث التوأمة التي تعتمد على الحكمة والميل، بصورة تمنح العلاقة دفئًا لا يفتر، ويعمق معاني تتناغم مع منسوج القيم، وطلاوة المعاني، في ثياب حديث راقي ورقراق، وهنا نرصد حالة خاصة من التوافق الفكري، وإيمانًا مشترك بماهية فضائل تساعد على البقاء، والصمود، والمثابرة، وتحمل المسؤولية، وصناعة القرار الصائب؛ ومن ثم تقوض مسارات الفوضى والأحادية في الرأي.
فقه الاختيار في الزواج نرصده في إنسان يدرك ماهية الجميل فيمن يختاره؛ فيشعر بأنه يكمله ويضيف إليه، وليس يطابقه، وهنا تتناغم الرؤى حول كل ما قد يؤدي إلى سعادة الطرفين؛ ومن ثم نشاهد الممارسات، التي تؤكد على فحوى الانسجام، الذي لا يسمح لبوابة الاختلاف أن تفتح؛ فلا مجال لاضطراب في بيئة أسست على التفاهم، والمحبة، وعشق التفاصيل المحركة لوجدان يعي أهمية الطرف الآخر بالنسبة له؛ فيبدو التقدير والعطاء في قمته، وهذا ما يساعد في الانتقال من مرحلة الاكتفاء إلى مرحلة الإحساس بالأمان، والطمأنينة، اللذان يؤديان بهما للمضي قدمًا نحو استكمال مراحل البناء.
نربأ بزواج يقوم على عاطفة، تستهلك من خلال الاندفاع، الذي يبعد عن حكمة التبصر في الاختيار؛ فيطغى المظهر على الجوهر، ويغلب الانفعال صحيح المعرفة، وهنا توقع الانطفاء وارد، وبعد فترة يبدأ العد التنازلي لاضمحلال شَبَقِ الاشتياق، وهذا يدل قطعًا على أن المشاعر بنيت في سياق يخالف التكافل، الكامن في بعدين رئيسيين، هما الفكر والقيم، المشكلتين للمبادئ المسيرة لسفينة الأسرة في محيطات هادرة بالأمواج العاتية؛ ومن ثم ينظر الإنسان لذاته دون أن يعبأ بالآخر، ويرى بعين ضبابية احتياجاته، ولو على حساب شريك الدرب؛ لذا تتسرب الطاقة دون أن ينتج عنها الثمرة اليانعة.
منهجية الاختيار الصحيح في الزواج، تقوم على إدراك للرسالة القائمة على مطالب الشريكين، واحتياجات المجتمع بغية البناء، وهنا لا نتحدث عن تغييب المشاعر؛ لكن ندعو إلى التناغم حول الرؤى، التي بواسطتها تدار دفة سفينة الحياة الزوجية؛ كي نتجنب الخلل، أو الصدام، أو الوقوع في بؤر الإحباط، وصعوبة تحمل المسؤوليات متضاعفة الوتيرة؛ لذا لا مناص عن مكاشفة، يتعرف من خلالها كل طرف أنماط التفكير لدى الآخر، في خضم سيناريوهات المستقبل القريب والبعيد، وقناعاته حول القضايا الماسة لشرايين المعيشة، والمصارحة تجاه الاهتمامات، والتطلعات، والرغبات، والطموحات، والآمال؛ ليصبح استعداد المؤازرة، وفقه التعاون، والمشاركة، من المبادئ المتبناة من الزوجين.
أعتقد أن الكشف عن جوهر الشخصية، يعد في قمة هرم فقه الاختيار، وهنا أنادي بضرورة التعرف على الثابت، والباطن، والكامن، لدى كل طرف، والبعد عن ماهية التجمّل؛ فلا مجال إلا للصدق في كافة التفاصيل، ولا داعي للمظاهر الخادعة، ولا منطق للتكلف في التصرفات، سواءً تعلقت بردود الأفعال، أم في سجايا الممارسات، ومنطق الحديث، وهذا لا يعني ألا نتحلى بذوق التعاملات؛ لكن لا نتعاطى الكلام الرقراق؛ لنضفي ضبابية على طبيعة الشخصية وفكرها الكامن في الأذهان؛ لذا لا منأى من أن نبدي طباعنا المشكِّلة لشخصيتينا الحقيقية؛ حتى لا تتعثر رحلة العطاء في مرحلة حرجة؛ حينئذٍ نقع – للأسف – في المكروه.
دعونا نتفق على أن فلسفة الزواج لا تنفك عن حسن الاختيار، وأن هذه العلاقة الخاصة تتأثر بفكرة الهيمنة، ومحاولات السيطرة ،التي لا مبررَ، ولا معنًى، ولا مغزًى لها؛ فأرى أن شراكة القرار خير من الانفراد به، وأن التعاون أفضل من العمل الفردي، وأن الاحترام يعبر عن حسن الخلق ونقاء السريرة والمعدن الأصيل، وأن فقه خصائص الآخر ومحاولة إرضائه من المحامد واجب التحلي بها، وأن التنافس من أجل العطاء أرقى من التنافس بغية تحقيق الذات، وأن الحوار البناء مقدم عن فرض الرأي، وأن الإخلاص والحب النقي أبقى أثرًا من الحب المشروط.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

